الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الجواب عن حديث عبادة بن الصامت الذي يدل ظاهره على أن تارك الصلاة لا يكفر

152359

تاريخ النشر : 25-06-2010

المشاهدات : 82341

السؤال

قرأت فتوى على موقعكم تقول : إن من ترك الصلاة إهمالاً وتساهلاً فإنه مرتد ، بينما وجدت حديثاً على ما يبدو أنه يتعارض مع ما أفتيتم به... ( خمس صلوات افترضهن الله ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن ، وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ) رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان ، وصححه العديد من الأئمة. فالذي نعرفه أن الله لا يغفر للكافر ، والمرتد كافر ؛ إذاً فكيف يُحمل قوله في هذا الحديث : ( إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ) ؟

الجواب

الحمد لله.


هذا الحديث رواه أبو داود (425) ، وأحمد (22196) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله عليه وسلم يقول : ( خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى ، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ) ، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح سنن أبي داود " .
قوله صلى الله عليه وسلم : (إن شاء غفر له) أخذ به من يرى عدم كفر تارك الصلاة ، فقالوا : لو كان تارك الصلاة كافراً لما دخل تحت المشيئة .
ولكن .. أجيب عن هذا الاستدلال بما يلي :
1. أن قوله عليه الصلاة والسلام : (ومن لم يفعل) راجع إلى ما تقدم أي : من لم يفعل الصلوات الخمس على النحو المتقدم بأن يصليهن لوقتهن وقد أتم ركوعهن وخشوعهن وأحسن وضوءهن ، فمن لم يفعل ذلك بأن أخل بشيء مما تقدم كأن يؤخر الصلاة عن وقتها أو لا يتم خشوعها أو ركوعها أو نحو ذلك فإنه تحت مشيئة الله تعالى .
وعلى هذا ، فالمقصود بالحديث من يصلي ، غير أنه لا يؤدي الصلاة كاملة .
وقد جاء الحديث بلفظ المحافظة على الصلاة ، فروى ابن ماجة (1403) عن أبي قتادة بن ربعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : افْتَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي ) ، وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجة" .
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المحافظة على الصلاة هي فعلها في وقتها كما أمر الله ، وأن عدم المحافظة عليها هي فعلها بعد وقتها ، وهو المراد بإضاعة الصلاة في قوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) وأما ترك الصلاة فهو عدم الصلاة ، لا في الوقت ، ولا بعد الوقت ، ثم قال رحمه الله : " وإذا عرف الفرق بين الأمرين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة مَنْ لم يحافظ عليها ، لا مَنْ ترك ، ونفيُ المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها ، ولا يتناول من لم يحافظ [ كذا في مجموع الفتاوى ، ولعل الصواب : ولا يتناول من لم يصل ] ، فإنه لو تناول ذلك قتلوا كفارا مرتدين بلا ريب " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/ 615) .
2. أنه يحتمل أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن لم يفعل ... ) أي : من لم يصل كل صلاة ، ولكن كان يصلي أحياناً ويترك الصلاة أحياناً .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/34) : " هناك أحاديث تُعارض الأحاديثَ الدَّالة على الكفر .... ، ومن ذلك ما يكون مشتبهاً لاحتمال دلالته ، فيجب حمله على الاحتمال الموافق للنصوص المحكمة ، كحديث عُبادة بن الصَّامت رضي الله عنه : ( خمسُ صلوات ؛ افترضهُنَّ اللَّهُ تعالى، مَنْ أحسن وضوءَهُنَّ ، وصَلاَّهُنَّ لوقتهنَّ ؛ وأتمَّ رُكوعَهُنَّ وخُشوعَهُنَّ ، كان له على الله عهدٌ أن يغفرَ له ، ومَنْ لم يفعلْ ؛ فليس له على الله عهد ٌ، إن شاء غَفرَ له ، وإن شاء عَذَّبه ) ، فإنه يحتَمِلُ أن يكون المراد به: من لم يأتِ بهنَّ على هذا الوصف ، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع .
ويحتمل أن يكون : لم يأتِ بهنَّ كلِّهنَّ ، بل كان يُصلّي بعضاً ويترك بعضاً .
ويحتمل أن يكون : لم يأتِ بواحدةٍ منهنّ ، بل كان يَتركهُنَّ كلَّهنَّ .
وإذا كان الحديث محتملاً لهذه المعاني كان من المتشابه ، فيُحمل على الاحتمال الموافق للنُّصوص المحكمة " انتهى بتصرف يسير .

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (5208) ، ورقم : (2182) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب