الحمد لله.
أولا :
اختلف الفقهاء في إمامة الصبي الذي لم يبلغ : فجاء في "الموسوعة الفقهية" (6/203-204(:
" جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ( الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ) عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْمَامَةِ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ بَالِغًا ، فَلاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ عِنْدَهُمْ ؛ لأِنّها حَال كَمَالٍ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَلأِنَّ الإِمَامَ ضَامِنٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْل الضَّمَانِ ، وَلأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مَعَهُ الإْخْلاَل بِالْقِرَاءَةِ حَال السِّرِّ .
أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ كَصَلاَةِ الْكُسُوفِ أَوِ التَّرَاوِيحِ : فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ( الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) لأِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْهَا بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ .
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ جَوَازِ إِمَامَةِ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْفَرَائِضِ أَمْ فِي النَّوَافِل .
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الإْمَامِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا ، فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْفَرَائِضِ أَمِ النَّوَافِل ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا : الْبَالِغُ أَوْلَى مِنَ الصَّبِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ ، لِصِحَّةِ الاِقْتِدَاءِ بِالْبَالِغِ بِالإْجْمَاعِ ، وَلِهَذَا نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الاِقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ .
أَمَّا إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِمِثْلِهِ فَجَائِزَةٌ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ . " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"إِلَى صِحَّة إِمَامَة الصَّبِيّ ذَهَبَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَإِسْحَاق , وَكَرِهَهَا مَالِك وَالثَّوْرَيْ , وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد
رِوَايَتَانِ ، وَالْمَشْهُور عَنْهُمَا الْإِجْزَاء فِي النَّوَافِل دُونَ
الْفَرَائِض " انتهى من "فتح الباري" (2/186) . وينظر : الأم" ، للإمام الشافعي (1
/ 193) .
وهذا هو الراجح : أنه تصح إمامة الصبي المميز ، إذا
كان يحسن الصلاة - وإن كان البالغ أولى إذا كان قارئا - وذلك لما روى البخاري
(4302) وأبو داود (585) والنسائي (767) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلمَةَ رضي الله عنه
قَالَ : لَمَّا رَجَعَ قَوْمِي مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالُوا إِنَّهُ قَالَ : لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قِرَاءَةً
لِلْقُرْآنِ . قَالَ : فَدَعَوْنِي فَعَلَّمُونِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ،
فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَفِي الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيَّةِ فِي إِمَامَة الصَّبِيّ الْمُمَيِّز فِي
الْفَرِيضَة , وَهِيَ خِلَافِيَّة مَشْهُورَة وَلَمْ يُنْصِف مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ
فَعَلُوا ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِمْ , وَلَمْ يَطَّلِع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا شَهَادَة نَفْي , وَلِأَنَّ زَمَن
الْوَحْي لَا يَقَع التَّقْرِير فِيهِ عَلَى مَا لَا يَجُوز " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" لا بأس بإمامة الصبي إذا كان قد أكمل سبع سنين أو أكثر وهو يحسن الصلاة ؛ لأنه
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك ، ولكن الأفضل أن يختار الأقرأ من
الجماعة ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء
فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ، كما صح ذلك عن النبي صلى
الله عليه وسلم " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (30 / 166) وينظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/389) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "تصح إمامة الصبي
بمن هو أكبر منه سناً , لكن إن كان الذي هو أكبر سناً منه قد بلغ فإن المشهور في
المذهب أنها لا تصح إمامة الصبي به في الفرض خاصة , والصحيح جواز ذلك , وصحته في
الفرض والنفل , ويدل لذلك حديث عمرو بن سلمة الجرمي " انتهى .
"فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (15 / 81( .
وإذا جازت إمامته في الفرض والنفل حيث يحسن الصلاة
جازت خطبته وصحت حيث يحسنها ويأتي بأركانها ؛ فإن شرط الصلاة في ذاتها أشد من شرط
الخطبة .
قال ابن عابدين رحمه الله في "حاشيته" (2 / 176) :
" وفي الظهيرية : لو خطب صبي اختلف المشايخ فيه ، والخلاف في صبي يعقل . اهـ
والأكثر على الجواز " انتهى .
ويراجع لمعرفة شروط وأركان خطبة الجمعة جواب السؤال رقم : (115854)
.
ولمعرفة الأحق بالإمامة جواب السؤال رقم : (20219)
.
ثانيا :
أما القنوت في صلاة الفجر : فالصحيح أن الفجر لا يختص بالقنوت ، وأن السنة أن
الإمام يقنت بالناس في النوازل التي تلمّ بالمسلمين في الصلوات الخمس كلها ، لا يخص
صلاة الفجر به . ينظر لذلك جواب السؤال رقم : (20031)
، (101015) .
ثالثا :
الذي نريد أن ننصحكم به أخيرا : ألا تتعجلوا في أمر صبيكم هذا ، وتسارعوا بظهوره في
الفضائيات ، أو تصديره للإمامة والخطبة ، وهو في هذه السن الصغيرة ، بل ينبغي أن
يخفى أمره ، قدر ما استطعتم ، ويشغل بتعليمه ما هو أهم من ذلك من العلم النافع ،
وتأديبه على العمل الصالح ، وأن تعهدوا به إلى أحد العقلاء الفاهمين من أهل العلم
أو طلابه ، فيعتني بتحفيظه السنة ، شيئا فشيئا ، ويربيه على المنهج العلمي الملائم
لنبوغه .
وليعلم أن خطر الاستعجال في إظهار الصبي ، والاستعجال في شهرته كبير ؛ فالحسد بلاء
لا يخفى أثره ، وتربية الابن على حب الظهور والتصدر باب فساد يخشى عليه منه بعد ذلك
؛ وكم من الصبيان كانوا في هذه السن على نبوغ كبير ، ثم لم يحسن أهلوهم تربيتهم
التربية الصالحة ، فلم ينتفع منهم بشيء ؛ نسأل الله العافية والسلامة .
والله تعالى أعلم .
تعليق