الحمد لله.
لا ينبغي للمسلم أن يتردد في سؤال الله تعالى جميع حوائجه ، فهو عز وجل يحب من المؤمن أن يتذلل إليه بالسؤال والطلب ، وأن يرفع إليه شكواه مهما صغرت ، بل أمرنا بذلك عز وجل فقال في محكم التنزيل : ( وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) النساء/32
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال :
( يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ .
يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ .
يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ .
يَا عِبَادِي ! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )
رواه مسلم (2577)
قال ابن رجب رحمه الله :
" في الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم ، من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك ، كما يسألونه الهداية والمغفرة .
وفي الحديث : ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها ، حتى شسع نعله إذا انقطع ) ، وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه ، حتى ملح عجينه ، وعلف شاته .
وفي الإسرائيليات : أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : يا رب ! إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك . قال : سلني حتى ملح عجينك ، وعلف حمارك .
فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله فقد أظهر حاجته فيه ، وافتقاره إلى الله ، وذاك يحبه الله ، وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئا من مصالح الدنيا ، والاقتداءُ بالسنة أَولَى " انتهى .
"جامع العلوم والحكم" (1/225) .
تنبيه : حديث ( ليسأل أحدكم ربه .. ) المذكور في النص السابق ، لم يصح مرفوعا ، وإنما صح موقوفا من كلام عائشة رضي الله عنها قالت : ( سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى الشِّسعَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِن لَمْ يُيَسِّرهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ ) أخرجه أبو يعلى (8/44) وحسنه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/1363) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا ؛ مثل أن يقول : اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً ، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني زوجة جميلة ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة ؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا ، وليس للإنسان ملجأ إلا الله " انتهى بتصرف يسير .
" الشرح الممتع " (3/284) .
فلا حرج عليك أن تسأل الله رزقا واسعا من المال ، غير أن الأولى والأفضل لك أن تسأل الله بجوامع الدعاء ، فإن كنت تريده مالا ، دعوته بالرزق الواسع ، وإن كنت تريد ذلك المبلغ لقضاء حاجة ، أو سداد دين : دعوت الله بذلك ، ودع الأمر إلى فضل الله وكرمه ؛ فإن كرم الله لا حد له ، وباب جوده مفتوح لا يغلق أبدا ، والكريم يحب أن يُسأل سؤال الواثق بالجود والعطاء ، وليس سؤال المتردد المتشكك في فضل المسؤول وكرمه ، ولا سؤال المتحجر لخزائن الله التي لا تنفد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قوله صلى الله عليه وسلم : ( وانصرني على من بغى علي ) دعاء عادل ، لا دعاء معتد يقول : انصرني على عدوي - مطلقا - .
ومن الاعتداء قول الأعرابي : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد تحجرت واسعا ) يريد : رحمة الله .
وقد جعل الصحابة من الاعتداء ما هو دون هذا من تكثير الكلام الذي لا حاجة إليه ، كما في سنن أبي داود وغيره ، عن ابن سعد قال : سمعني أبي وأنا أقول : اللهم إني أسألك الجنة ، ونعيمها ، وبهجتها ، وكذا ، وكذا ، وأعوذ بك من النار ، وسلاسلها ، وأغلالها ، وكذا ، وكذا ، فقال : يا بني ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سيكون قوم يعتدون في الدعاء ) فإياك أن تكون منهم ، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير ، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر .
وسعد هذا هو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة وأهل الشورى " انتهى.
" تلخيص الاستغاثة " (1/207) .
وقد سبق في موقعنا ، في الجواب رقم : (41017) بيان أن ذكر التفاصيل في الدعاء مظنة الوقوع في الاعتداء ، وقد قال تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55.
والله أعلم .
تعليق