الحمد لله.
الراجح من أقوال العلماء أن الحج يجب على القادر على الفور ، ولا يجوز له تأخير أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ، وقد بينَّا هذا في جواب السؤال رقم ( 41702 ) فلينظر .
وقد يمتلك المسلم الزاد والراحلة ويأمن الطريق لكن
تمنعه موانع من الذهاب للحج ، فمثل هذا لا شك أنه معذور ، كأن يكون بجانب زوجة
مريضة أو أب يحتضر ، وكأن تحدد الدولة أعداداً معينة لأداء الحج فلا يكون له نصيب
بسبب عدم خروجه في القرعة أو عدم تناسب عمره مع السن المطلوب ، وغير ذلك من الأسباب
المشروعة التي يكون معها تأخير أداء الحج على من ملك الزاد والراحلة وأمن الطريق .
وعليه : فيكون أولئك المعذورون ممن لا يستطيعون إلى الحج سبيلاً .
والذي يظهر لنا أن عدم إعطاء الموظف – في القطاع العام
أو الخاص – إجازة للذهاب إلى الحج يكون عذراً لذلك الموظف ، ولا يلزمه الخروج من
الوظيفة – إن كانت حلالاً - ، على أن يُحاول الموظف التقديم للحج كل عام ، وأن يبذل
ما يستطيع من جهد لأداء نسك الحج ، حتى لو كان ذلك بأخذه إجازة من غير راتب إن كان
ذلك لا يؤثر على نفقته على أهله .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
أرغب العمرة في رمضان متمتعاً بها إلى الحج ! ما الذي يترتب علينا حتى الحج ؟ وأنا
موظف ولا أستطيع مغادرة العمل إلا بإجازة الحج ، وإجازة العمرة في رمضان ، هل يجوز
السفر من منطقة إلى أخرى ؟ .
فأجابوا :
أولاً : العمرة في رمضان رغَّب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنها ليست العمرة
التي يتمتع بها إلى الحج ، بل التي يتمتع بها إلى الحج هي التي يؤتى بها في أشهر
الحج ، وهي : شوال ، وذو القعدة ، والعشر الأولى من ذي الحجة ، ثم يحج من عامه .
ثانياً : إذا كان الواقع ما ذُكر من أنك لا تستطيع مغادرة العمل للحج أو العمرة :
فلا يجوز لك ترك العمل إلا بإذن مرجعك .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 163 ، 164 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
الرجل إذا كان لا يستطيع أن يحج بناءً على وظيفته : فإنه لا شيء عليه ؛ لأنه لم
يستطع إليه سبيلاً ، لكن أنا أسمع كثيراً ما يذهب الإخوان من أفراد الجنود أو غيرهم
إلى مكة مندوبين ، وإذا دخل وقت الحج أذنوا لهم في الحج ، فإذا أذنوا لك : فحُجَّ
ولا شيء عليك ، أما إذا لم يأذنوا : فأنت غير مستطيع ، ولا حج عليك .
" لقاء الباب المفتوح " ( 92 / السؤال 8 ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لم أحضر إلى هذه البلاد إلا من أجل الحج، وأخشى أن لا يوافق من أقوم بالعمل عنده
بأدائي لهذه الفريضة، وأنا الآن في السعودية وعلى بعد مسافة قليلة من مناسك الحج،
وأتمنى أن يهدي الله كفيلي وأن يوافق على حجي، ولكن إذا لم يوافق على الحج فهل أكون
بنيتي قد أديت الفريضة أم لا، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الأعمال
بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى" ، وهل هذا يعتبر من الاستطاعة أرجو التوضيح، وحث
إخواننا الكفلاء على تمكين من عندهم من حج بيت الله الحرام؟" .
فأجاب رحمه الله :
" نحن نتمنى لكل إخواننا الكفلاء أن يهديهم الله عز وجل وأن يرخصوا لإخوانهم الذين
يعملون عندهم بأداء فريضة الحج، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وقد أمر
الله بذلك، فقال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، ولأن هذا قد يكون سبباً للبركة في أعمالهم
وأرزاقهم، لأن هذه الأيام العشرة إذا تعطل العمل عنده فإن الله قد ينزل له البركة
فيما بقي من العمل، ويحصل على خير كثير، فإن تيسر هذا فهو المطلوب، وهو الذي نرجوه
من إخواننا الكفلاء .
وإن لم يتيسر فإن هذا العامل لا يعتبر مستطيعاً، فيسقط عنه الحج، لأن الله تعالى
قال: ( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) آل عمران/97 ؛ وهذا لم يستطع.
وأما قول السائل: هل يكون كالذي حج؟ فالجواب: لا ؛ لكنه يسقط عنه الحج حتى يستطيع،
وهو لو مات قبل أن يتمكن من الحج فإنه يموت غير عاص لله، لأنه لا يجب الحج إلا
بالاستطاعة " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/62) .
والله أعلم
تعليق