الحمد لله.
إذا كان المسجد مبنيّاً من أجل تلك القبور : فإنه لا تشرع الصلاة فيه ؛ وهو من جنس فعل اليهود والنصارى الذين عظَّموا القبور وبنوا عليها أماكن للعبادة .
وإن لم يكن هذا هو الحال ولم يُبن المسجد من أجل تلك القبور : فإنه يشرع لكم الصلاة فيه ، ويشترط بعض أهل العلم أن يكون بين جدار المسجد وبين القبور فضاء أو مسافة تفصلهما بعضهما عن بعض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وذكر الآمدي وغيره : أنه لا تجوز الصلاة فيه - أي : المسجد الذي قبلته إلى القبر - حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر ، وذكر بعضهم هذا منصوص أحمد .
" المستدرك على مجموع الفتاوى " ( 3 / 75 ) .
وفي " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " ( 4 / 265 ) :
وأجاب الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن والشيخ سليمان بن سحمان : مسجد الطائف الذي في شقه الشمالي قبر ابن عباس رضي الله عنهما : الصلاة في المسجد : إذا جُعل بين القبر وبين المسجد جدار يرفع يُخرج القبر عن مسمى المسجد : فلا تكره الصلاة فيه .
انتهى
ويشترط آخرون : أن يُرفع جدار المسجد بحيث لا تُرى القبور من قِبَل المصلين .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
إذا صلَّى الإنسان في مسجد أمامه مقبرة : فإن كان هناك فاصل شارع - مثلاً - أو جدار تام بحيث يكون المصلون لا يشاهدون المقبرة : فلا بأس بذلك ، أما إذا كان قريباً يلي المسجد مباشرة ، وليس فيه جدار ، أو فيه جدار قصير بحيث يشاهد المصلون هذه القبور : فإنه لا يجوز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ) - رواه مسلم - .
" لقاء الباب المفتوح " ( 137 / السؤال الأول ) .
ولا يظهر أن ما سبق - من رفع الجدار ووجود فضاء - لازم
، وإن حصل فهو أفضل وفعله أحوط ، وإنما يكفي أن يكون فصلٌ بين المسجد والقبور بجدار
يؤكِّد الانفصال بينه وبين القبور ، ومن علامات الانفصال التام : أن كل واحد – من
المقبرة والمسجد – قد بُني في أرضه الخاصة به ، وأن المسجد لم يُبنَ من أجل القبور
، فإذا كان الأمر كذلك : جازت الصلاة في المسجد .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
بعض المساجد والأماكن المعدة لصلاة العيدين والاستسقاء قد أقيمت على مقربة من
المقابر بحيث إن المقبرة في قبلة المسجد لا يفصلها عن ذلك إلا بضعة أمتار ، والبعض
الآخر ملاصق للمقبرة ، وبعض الأماكن المعدة لصلاة العيدين والاستسقاء محاطة بحائط
يفصلها عن المقبرة ، والبعض الآخر بدون حائط يفصلها عن المقبرة ، فما الحكم ؟ .
فأجابوا :
إذا لم تُبن هذه المساجد ولم تعد أماكن صلاة العيدين والاستسقاء قريباً من المقابر
من أجل المقابر تكريماً لمن قُبر فيها ، أو طلباً لمزيد الثواب والأجر بالصلاة فيها
لقربها من المقابر : فبناؤها وإعدادها للصلاة والتقرب إلى الله فيها جائز ، والصلاة
فيها مشروعة ، وعمارتها بها وبسائر القربات التي من شأنها أن تقام فيها : مرغوب فيه
شرعاً ، وما أحيط منها بحائط يفصلها عن المساجد : فقد كفيتم مؤنته ، وما لم يحط
منها بسور : فيعمل لها سور يفصلها عن المساجد وأماكن صلاة العيد والاستسقاء ، وإذا
تيسر جعل فراغ بين جدار المسجد ، ومصلى العيد والاستسقاء ، وبين جدار المقابر : كان
ذلك أحوط ، أما إن كانت إقامة المساجد حول المقابر من أجل تعظيم القبور : فلا تجوز
الصلاة فيها ، ويجب هدمها ؛ لأن إقامتها على الوجه المذكور من وسائل الشرك بأهل
القبور ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا تصلوا إلى القبور ولا
تجلسوا عليها ) ، وصح عنه أيضا أنه قال عليه الصلاة والسلام ( إنه من كان قبلكم
كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن
ذلك ) رواهما مسلم في صحيحه , والأحاديث في هذا الباب لا تخفى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" مجلة البحوث الإسلامية " ( 15 / 78 ، 79 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 13490 ) .
والله أعلم
تعليق