الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

يجتمع أهله كل خميس لقراءة القرآن ولقراءة الأذكار جماعة فهل يجوز لهم وماذا يصنع ؟

161028

تاريخ النشر : 22-03-2011

المشاهدات : 17302

السؤال

ما حكم ما يسمَّى بـ " الختام " ؟ وهو اجتماع مجموعة من الناس كل خميس من كل أسبوع يقرؤن فيه القرآن والأذكار ؟ . إن عائلتي تمارس هذا الفعل باستمرار ، ولكني لم أر له أي دليل من السنَّة ، وقد أخبرت والداي أن ذلك بدعة ، ولكنهم يقولون إنه يجب عليّ أن أفعل ذلك وأن أشارك الناس هذا الخير ، فالجميع يفعل ذلك بما فيهم إمام المسجد ، فلماذا أنا بالذات أخالفهم ! . لا أريد أن أفعل شيئاً يخالف السنَّة أو يُعد شِركاً ، لكن بالمقابل لا أريد أن أغضب والداي ، فهل من نصيحة فيما يجب عليَّ أن أفعل ؟ .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
لا مانع من الاجتماع على كتاب الله تعالى في يوم محدد ووقت معيَّن ، يتدارس المجتمعون فيه كتاب الله فيما بينهم ، ويتعلمون تفسيره وأحكامه ، أو يتلونه ويتعلمون تجويده . على أن لا يكون ذلك التحديد لليوم والتعيين للوقت من أجل اعتقاد فضل فيه دون غيره ، بل يكون ذلك من أجل كونه وقت فراغ لأفراد الأسرة ، أو بسبب وجود من يقوم بالتعليم في ذلك اليوم والوقت ، أو نحو ذلك من دواعي تعيين يوم للاجتماع .
فإن كان اجتماعهم على النحو الذي ذكرناه : فلا حرج فيه إن شاء الله ، بل هو عمل صالح يؤجرون عليه ، ويشرع لك أن تشاركهم فيه .
وإن كانوا يعتقدون أن للاجتماع في يوم الخميس بعينه فضيلة خاصة : فهذا مما لا أصل له في الشرع ، وينبغي تنبيههم على موطن الخطأ والصواب في عملهم ، فيتركون ما لا أصل له في الدين ، وما يدخل في باب البدع ، ويفعلون ما شرعه الله ورسوله لعباده .
وينظر جوابا السؤالين ( 148174 ) و ( 144160 ) .

وننبه إلى أنه ليس من هدي السلف - فيما نعلم - أن يقرأ المجتمعون القرآن جميعاً بصوت واحد ، بل يمكن للمجتمعين التناوب على القراءة أو يقرأ واحد والباقي يستمعون ، والأكمل أن يكون مع القراءة تعليم لأحكامه وقراءة في تفسير آياته .
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله : " وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ) : فالدراسة المذكورة تُشعر بأنهم لم يجتمعوا على التلاوة صوتاً واحداً متراسلين ؛ لأن المدارسة إنما تكون تلقيناً أو عرضاً ، وهذا هو المروي عنهم ، وأما الاجتماع على صوت واحد : فليس بمرويٍّ عنهم كما تقدم " انتهى من " المدخل " (1/92) .

ثانياً:
أما الاجتماع من أجل قراءة الأذكار فليس له أصل في السنة ، بل هو من قبيل الابتداع في هيئة الذكر ، والأذكار المشروعة ، سواء كانت مطلقة أو مقيدة ، هي من العبادات الفردية الخاصة والتي لا يشرع من أجلها اجتماع ، لا في يوم له فضل ، ولا في غيره مما لا فضل له من باب أولى .
والفرق بين الاجتماع لقراءة القرآن وتعلمه والاجتماع لذكر الله : أن الأول جاء في الشرع ما يحث عليه ويرغب فيه ، كما سبق ذِكره والإحالة عليه ، وأما الاجتماع لذِكر الله إما بصوت جماعي أو بقيادة أحد في الحلقة : فلا نعلم أصلا لمشروعيته .
وقد ذكرنا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على طائفة تذكر الله تعالى بقيادة وبيَّن لهم أنهم مخالفون للشرع ، وقد ذكرنا القصة بطولها في أجوبة متعددة ، فانظر – مثلاً – أجوبة الأسئلة : ( 88102 ) و ( 82559 ) و ( 11938 ) وفي هذه الأجوبة مزيد فائدة وبيان حول الذكر الجماعي المبتدع .
وما ورد في الشرع من وصف مجالس الصحابة بـ " مجالس ذِكر " : فالمقصود به مجالس علم ، أو مجالس ذِكر لكن كل واحد يذكر ربَّه وحده سرّاً ، ومنه ما رواه معاوية رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ ( مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ ) قَالُوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ ( آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ ) قَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ ( أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ ) .
رواه مسلم ( 2701 ) .
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله : " وأما خروجه صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال ( ما أجلسكم ؟ ) فقالوا : جلسنا نذكر الله : فهذا أفصح بالمراد في الجميع ، وكيف كان اجتماعهم ؛ لأنهم لو كانوا يذكرون الله جهراً لم يَحتج صلى الله عليه وسلم إلى أن يستفهمهم ، بل كان يخبرهم بالحكم من غير استفهام ، فلما أن استفهم دلَّ على أن ذِكرهم كان سرّاً ، وكذلك جوابهم له صلى الله عليه وسلم بقولهم " جلسنا نذكر الله " أدل دليل على أنهم كانوا يذكرون الله تعالى سرّاً ؛ إذ إنه لو كان ذكرهم جهراً لما كان لإخبارهم بذلك معنى زائد ، إذ إنه صلى الله عليه وسلم قد سمع ذلك منهم ، فكان جوابهم أن يقولوا جلسنا لما سمعتَه أو لما رأيتَه منَّا إلى غير ذلك من هذا المعنى ؛ لأنهم يتحاشون أن يكون منهم الجواب لغير فائدة ، فبان واتضح أن ذكرهم كان سرّاً لا جهراً على ما روي عنهم في عبادتهم ، وقد قال تعالى في محكم التنزيل ( ادْعُوا ربَّكُم تَضُرُّعاً وَخُفْيَة ) .
أو كانوا يتذاكرون بينهم ما كان منهم في أمر الجاهلية من عبادة الأوثان وغير ذلك ، وما منَّ الله عليهم به من معرفة الإيمان والكتاب والسنَّة ، فتعظم عندهم النعَم عند تذكر ذلك ، فيحمدون الله على ما منَّ به عليهم من تلك النعَم التي يذكرونها ، ألا ترى إلى ما روي عنهم أنهم كانوا يقعدون في المسجد بعد صلاة الصبح يتذاكرون بينهم الأشياء التي كانوا يفعلونها في الجاهلية ويتعجبون من أنفسهم والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد يسمعهم فيتبسم أحيانا من حكاياتهم عن أنفسهم ، فقد تكون تلك الحلقة التي خرج صلى الله عليه وسلم عليها قاعدة لذلك المعنى ، فحصل لهم ما حصل من المباهاة بها ؛ لأنهم إذا تذاكروا ذلك فيه يعرفون قدر نعَم الله عليهم وأن ما منَّ به عليهم ليس بأيديهم ولا بقدرتهم فتعظم نعَم الله تعالى عليهم أن هداهم وأنقذهم ، وأضل غيرهم وأصمهم وأعماهم فهم لا يسمعون ولا يبصرون كما جاء في محكم التنزيل " انتهى من " المدخل " (1 /92 ، 93) .
ونرجو أن يكون ما ذكرناه كافياً ليترك أهلك ما فيه مخالفة للشرع ، والبقاء على ما يتوافق مع الشرع من حلقات القرآن علماً وتعليماً ، وليحث كلُّ فرد من أفراد الأسرة على الاستمرار في أذكار اليوم والليلة وغيرها من الأذكار كلُّ واحدٍ وحده من غير أن تكون جماعية ، وعليك تبليغ أهلك أحكام ما ذكرناه لك بلطف ولين ، فإن استجابوا فنعْم ما يفعلون ، وإن رفضوا الاستجابة فلا تشاركهم في فعلهم واهجر فعلهم هجراً جميلاً من غير عنفٍ يتسبَّب في قطيعة بينك وبينهم ، ولا تقدِّم رضاهم على رضا الله تعالى ، لكن لا تفرط في حقوقهم المشروعة لأجل ما كان منهم من خطأ ، وتعاون معهم فيما وافقوا فيه السنة ، وعظموا فيه الشرع .

ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه صلاح دينكم ودنياكم .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب