الحمد لله.
الجهل منه ما يعذر فيه صاحبه ، ومنه ما لا يعذر فيه .
والذي يظهر – والله أعلم – أن هذا من الجهل الذي لا يعذر فيه الإنسان ، وذلك لجملة من الأمور :
أولاً :
أن هذا من الأمور التي يحتاج إلى معرفتها وتعلمها كلُّ مسلم ، والتقصير في ذلك تفريط واضح ، خاصةً في بيئة يتوافر فيها طلبة العلم والعلماء .
ومن كان جهله بسبب التفريط والتقصير في التعلم ، فلا عذر له .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته ، وإلا فمتى أمكن الانسان معرفة الحق فقصر فيها ، لم يكن معذوراً ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/280).
وقال ابن اللَّحام عن الجاهل : " فإذا قلنا يُعذر ، فإنما محلُّه إذا لم يُقصِّر ويُفرِّط في تعلم الحكم ، أما إذا قصَّر أو فرَّط ، فلا يُعذر جزماً ".
انتهى من " القواعد والفوائد الأصولية" ص 87.
وقال المَقَّري : " لا عذر في الجهل بالحكم ما أمكن التعلم ".
انتهى من " القواعد" (2/412) .
وقال القرافي : " القاعدة الشرعية دلَّت على أن كلَّ جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل ؛ فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله ، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ، ثم يعملوا بها ، فالعلم والعمل بها واجبان ، فمن ترك التعلم والعمل ، وبقي جاهلا : فقد عصى معصيتين ، لتركه واجبين ". انتهى من "الفروق " ( 4/264) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " إذا كان في بلدٍ فيه العلماء ، ولكنه فرَّط ، فهذا لا يعذر بالجهل " انتهى من " لقاء الباب المفتوح" (19/32).
فالجاهل بسبب إعراضه عن العلم الذي يستطيع الوصول إليه غير معذور ، وكان الواجب عليك إذ علمت أن نزول المني يوجب الغسل ولا تصح الصلاة دونه ، أن تسأل لتتعرف على صفاته وأحكامه .
ثانياً :
أن معرفة هذا مما لا يخفى على عموم الناس ، وما اشتهر وذاع بين الناس لا يعذر أحد
بجهله ، " وَلاَ تُقْبَل دَعْوَى الْجَهْل فِي الأْمورِ الْمُشْتَهِرَةِ بَيْنَ
النَّاسِ ".
انتهى من " الموسوعة الفقهية " (16/200).
قال جلال الدين السيوطي : " كلُّ من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم
يُقبل ، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة يخفي فيها مثل ذلك "
انتهى من "الأشباه والنظائر" (صـ 357).
ثالثاً :
" أن الْجَهْل وَالنِّسْيَان يُعْذَرُ بِهِمَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى في
الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْمَأْمُورَاتِ " ، انتهى من " المنثور في القواعد "
للزركشي (2/3).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " ترك المأمور لا يعذر فيه الإنسان بالجهل أو النسيان ،
وفعل المحذور يعذر فيه الإنسان بالجهل أو النسيان ، وهذه قاعدة مقررة عند أهل العلم
دل عليها كتاب الله ، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ" (12/399).
ولذلك أفتى الشيخ من أكل لحم إبل دون أن يعلم أن هذا لحم إبل ، بأنه يقضي الصلوات
التي صلاها بعد أكل لحم الإبل .
ينظر: "شرح منظومة القواعد والأصول" لابن عثيمين (صـ90).
رابعاً :
أنه " لا فرق في الجهل : بين الجاهل بالحكم ، والجاهل بالوصف ".
انتهى من " شرح منظومة القواعد والأصول" لابن عثيمين (ص 152).
ومن الأسئلة الموجهة للجنة الإفتاء بالمملكة : أنا امرأة تزوجت منذ سبعة عشر عاماً
، وكنت في بداية زواجي أجهل بعض بل كل أحكام الغسل من الجنابة ؛ لجهلي بالأمور
المسببة للجنابة وكذلك زوجي ، وهذا الجهل ينحصر منا في أن الجنابة لا تكون إلا على
الزوج فقط ... فماذا علي أن أعمل بالنسبة للصلوات التي صليتها أثناء هذه الفترة ،
علما بأنني أغتسل بنية النظافة وليس لرفع الحدث ...
فكان الجواب : " يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتها بدون غسل من الجنابة لتفريطك
وعدم تفقهك في الدين ، وعليك مع القضاء التوبة إلى الله من ذلك ".
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (6/197).
وبناء على ما سبق :
فيلزمك قضاء جميع الصلوات التي صليتها دون طهارة ، وعليك الاجتهاد في تقديرها
بالتقريب ، مع العلم أن الأغسال التي كنت تغتسلها دون نية رفع الجنابة لا ترفع
الحدث ، واحرص على الإكثار من النوافل ، عسى الله أن يجبر بها ما فاتك من نقص في
الأيام الماضية .
والله أعلم .
تعليق