الحمد لله.
نحمد الله سبحانه وتعالى أن جعلك تشعر أن الإسلام هو موطنك ، وهو دليل على توفيق الله لك للخير ، ولا يوفق الله من التائهين إلا من طلب الهداية بصدق وبحث عنها بإخلاص ، واختيارك للإسلام ليكون ديناً لك يدل على رجاحة عقلك – إن شاء الله – لأن الذي يقارن بين الأديان ولا يختار الإسلام فإنه يفكر بعقل غيره ويقرأ بعين سواه .
فهل قرأتَ عن دين فيه : اليقين في قلوب أصحابه ، ويسر أحكامه ، وحكمة أوامره ، واشتماله على أحسن الأخلاق والآداب : كالصدق والعفاف وصلة الرحم وبر الوالدين والإحسان إلى اليتيم والأرملة ؟ .
وهل قرأتَ عن دين فيه : كتابٌ معجز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد تعرَّض على مرِّ السنين لمحاولة تحريفه والتشكيك فيه ، ولا يزداد أهله إلا قناعة واعتقاداً بحفظ الله له ؟ .
وهل قرأتَ عن دين : يحفظ أطفاله كتاب ربهم ، بينما كبار علماء الأديان من غيره لا يكاد يوجد بينهم من يحفظ كتابهم ؟ وماذا سيحفظون ؟ وأي نسخة سيعتمدون وقد تكاثرت النسخ بين أيديهم ؟ .
إن الطريق الذي وصلتَ إليه ، وشرح الله صدرك له ، يستحق أن يبذل الإنسان لأجله كل ما عنده من مال أو جاه ، بل يبذل له مهجته وحياته بأسرها ؛ ذلك أنه طريق السعادة واليقين ، ومع غنى الله تعالى عن عباده ، وحاجة عباده إليه : فقد نصب الأدلة الواضحة البيِّنة على الطريق الصحيح الذي يحبه ، وقد وعد أهله وأصحابه بالثواب الجزيل وهو مالك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، لا يضره كفر الكافرين ، ولا ينفعه إسلام المسلمين .
ولا تظن أن الشيطان الرجيم سيتركك لتختار الإسلام بكل سهولة ، فقد أخذ على نفسه وعداً أن يضل المهتدين ويضع العراقيل أمام المريدين للخير والهداية .
وما قلتَه في رسالتك إلينا هو من هذا الباب ، فالشيطان يريد أن يصدَّك عن الهداية بأي طريقة يستطيعها ، وقد يلبِّس على المريد للخير بأن أمامه ما لا بدَّ منه حتى يدخل في الإسلام فيسوِّف له ويؤخره ، ولا يدري هذا المسكين أن هذا من الشيطان وأنه قد يوافيه أجله فيموت كافراً فيخسر دنياه وآخرته .
وما وسوس به الشيطان وهو أنه لا بدَّ أن تشعر بحبك لله هو من الصدِّ عن الخير ، لا من الخير الذي دلَّك عليه ، فمن دخل الإسلام فإنه يطلب منه قول الشهادتين ، وسيرى بعد ذلك يقيناً وسعادة تجعله من المحبين لربه ودينه ولكتابه ولعامة المسلمين .
وتأمل هذا الموقف ، لرجل مر بتجربة قريبة مما تمر به الآن ، تجربة التحول من الكفر إلى الإيمان بالله جل جلاله ، وكيف أن الحب قد ملأ قلبه حين آمن فعلا ، لا قبل ذلك ، وكيف أنه شعر بهذا الحب الذي غير حيات بأسرها :
لقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية من رجاله المجاهدين في سبيل الله ، أرسلهم في مهمة عسكرية ؛ فوقع في أيديهم رجل من المشركين أسيرا ، وقد كان هذه الرجل المشرك ـ واسمه ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ زعيما في قومه ، سيدا لهم ، فجاء به الذين أسروه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فربطه ـ أسيرا ـ عنده ، لكن ليس في سجن مظلم ، ولا في مكان ناء ، ولا في تعذيب وهوان وتنكيل ؛ بل ربطه تحت عينيه في مسجده ، صلى الله عليه وسلم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج عليه وهو في المسجد ، فيسأله : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟
يعني : ما الذي تظنه أن أفعل بك ، وأنت في هذه الحال ؟!
فيقول هذا الأسير ، في عزة السيد العربي : " عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ !!
يعني : ما في ظني وفكري إلا الخير لك ؛ فإن قتلتني فقد قتلت سيدا لدمه قيمته ووزنه ، يستحق قاتله أن يقول : قد قتلته !!
وإن اخترت أن تنعم علي بالعفو ، فقد أنعمت على كريم يشكر الجميل ويحفظه لأهله .
وإن كنت تريد مالا ، فداء لأسري ، فاطلب ما بدا لك من المال !!
وظل النبي معه على هذه الحال : ثلاثة أيام ، يخرج عليه وهو أسير في مسجده ، فيسأله نفس السؤال ، والأسير يجيب بنفس الجواب !!
حتى كان آخر الثلاث أن قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ !!
فَانْطَلَقَ ـ الأسير ـ إِلَى حتى استتر في نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ :
" أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ " !!
فانظر ـ يا عبد الله ـ كيف امتلأ هذا القلب بالمحبة للدين الجديد ، ولنبيه ، ولبلاده ، في لحظة واحدة ، حين شرح الله صدره للإسلام ، فدخل فيه .
إننا لننصحك بما هو خير لك في الدنيا والآخرة ، فهلم إلى الإسلام الذي اخترتَه على علمٍ ويقين على غيره من الأديان ، ولا تتأخر لحظة واحدة عنه ، فقد يأتيك أجلك وأنت على غير هداية وهو ما لا نحبه لك ولا لغيرك ، وإنما طمعنا أن ييسر الله لك اليسرى ، ويختارك لدينه ، ويطهرك لجنته ، دار الطيبين .
إن مفتاح الجنة ومفتاح السعادة هو قول " أشهد أن لا
إله إلا الله وأشهد أن محمَّداً رسول الله " ، وإننا لنسأل الله لك بصدق أن ترددها
وقلبك منشرح بها .
وسننتظر منك ما يفرحنا ويبشرنا وهو دخولك في هذا الدين العظيم الذي ختم الله به
الأديان وجعل له أفضل الرسل واختار له أحسن الكتب وأشملها وأعظمها .
وفقك الله وهداك لما يحب ويرضى
تعليق