الحمد لله.
صحة حديث (لا تزال طائفة من أمتي...)
الحديث المذكور حديث صحيح، وهو حديث متواتر، في أعلى درجات الصحة، وقد رواه البخاري (7311) ومسلم (156) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ وفي رواية لمسلم (1037) لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "هذا الحديث حديث ثابت متواتر من جهة استفاضة ثبوته عند الأئمة، ومخرج في الصحيحين من غير وجه وفي غيرهما. وهذا الحديث فيه تقرير لكون الأمة سيدخلها افتراق واختلاف في مسائل أصول الدين، ولهذا وصف عليه الصلاة والسلام هذه الطائفة بأنها الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة ، وأنهم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. " انتهى من "شرح حديث الافتراق"(1/31)
هل ستكون الطائفة المنصورة بالشام؟
وأما الزيادة المذكورة في الحديث وهي: فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم في بيت المقدس .
فهذه الزيادة رواها الإمام أحمد في المسند(21286) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (11/698) ترقيم الشاملة .
وعلى فرض صحة هذه الرواية فالمراد بذلك: أنها تكون بالشام في بعض الأزمنة، كما سيكون ذلك في آخر الزمان .
قال الحافظ بن حجر رحمه الله: "والْمُرَاد بِاَلَّذِينَ يَكُونُونَ بِبَيْتِ الْمَقْدِس: الَّذِينَ يَحْصُرهُمْ الدَّجَّال إِذَا خَرَجَ، فَيَنْزِل عِيسَى إِلَيْهِمْ فَيَقْتُل الدَّجَّال" انتهى من "فتح الباري".
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
وقد اختلف في مكانها [يعني: الطائفة المنصورة]: فقال ابن بطال: إنها تكون في بيت المقدس، كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (قيل: يا رسول الله ! أين هم؟ قال: ببيت المقدس وقال معاذ رضي الله عنه: (هم بالشام) .
وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: "ويشهد له الواقع، وحال أهل الشام وأهل بيت المقدس من أزمنة طويلة، لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه في القرن السابع وأول الثامن؛ فإنهم في زمانهم على الحق؛ يدعون إليه، ويناظرون عليه، ويجاهدون فيه، وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق، والتمسك بالسنة، والله على كل شيء قدير.
ومما يؤيد هذا: أن أهل الحق والسنة في زمن الأئمة الأربعة وتوافر العلماء في ذلك الزمان وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد، بل هم في غالب الأمصار؛ في الشام منهم أئمة، وفي الحجاز، وفي مصر، وفي العراق، واليمن، وكلهم على الحق؛ يناضلون ويجاهدون أهل البدع، ولهم المصنفات التي صارت أعلاماً لأهل السنة وحجة على كل مبتدع.
فعلى هذا؛ فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق، وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره؛ فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها".
قلت: الظاهر من حديث أبي أمامة وقول معاذ أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
ويدل على ذلك ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة الذي رواه ابن ماجه، وفيه: " فقالت أم شريك: يا رسول الله ! فأين العرب يومئذ ؟ قال: هم قليل، وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح " .... الحديث.
....ففي هذه الأحاديث دليل على أن جل الطائفة المنصورة يكون بالشام في آخر الزمان، حيث تكون الخلافة هناك، ولا يزالون هناك ظاهرين على الحق، حتى يرسل الله الريح الطيبة، فتقبض كل من في قلبه إيمان؛ كما تقدم في الأحاديث الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . وقال معاذ: (وهم بالشام) .
فأما في زماننا وما قبله؛ فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم، وتكثر في بعض الأماكن أحيانا، ويعظم شأنها، ويظهر أمرها؛ ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين. " انتهى من "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة"(1/332) للشيخ حمود التويجري رحمه الله.
لمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 90112، 10554، 253578، 118131.
والله أعلم
تعليق