الحمد لله.
اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم استعمال الألعاب والمفرقعات النارية في المناسبات المباحة ، فمنهم من ذهب إلى المنع مطلقاً ، ومنهم من أجازها بشروط .
وأما المنع فقد ذهب إليه الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقد سئل رحمه الله :
ما حكم بيع وشراء واستعمال المفرقعات النارية ، والتي تسمى ( الطرطعان ) ؟ .
فأجاب :
"الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الذي أرى أن بيعها وشراءها حرام ، وذلك لوجهين :
الوجه الأول : أنها إضاعة للمال ، وإضاعة المال محرمة ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
والثاني : أن فيها أذية للناس بأصواتها المزعجة ، وربما يحدث منها حرائق إذا وقعت على شيء قابل للاحتراق ، وهي حية لم تطفأ .
فمن أجل هذين الوجهين نرى أنها حرام ، وأنه لا يجوز بيعها ولا شراؤها" انتهى .
" مجموع الفتاوى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين " الصادرة من " مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة " ( 3 / 3 ) ، وتاريخ الفتوى : 5 / 10 / 1413 هـ .
وللمنع أصل في كتب الحنابلة المتقدمين ، ففي كتبهم إشارة إلى ما يُصنع في هذا الزمان من هذه المفرقعات النارية ، وأنها تضييع للمال .
ففي " شرح منتهى الإرادات " ( 2 / 172 ) :
جعل من شروط الرشد وهو حسن التصرف في المال : "أن يحفظ كل ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه ، كحرق نفطٍ يشتريه للتفرج عليه ، ونحوه" انتهى .
ومن الذين ذهبوا إلى الجواز بشروط : الشيخ سليمان الماجد ، حيث قال حفظه الله :
"الألعاب النارية هي شأنها شأن أي شيء آخر يكون فيه أضرار ، وقد يكون فيه بعض المنافع
، ولكن أنبِّه في هذا الأمر إلى شيئين :
أولاً : الحذر الشديد من أذية المسلمين عن طريق هذه الأصوات .
الأمر الثاني : الحذر من أذية الإنسان لنفسه ، فيكون الطفل إذا لعب بمثل هذه الألعاب أن يكون بمحضر ولي أمره وقربه حتى لا يؤذي الآخرين .
الأمر الثالث هو : ألا تتسبب مثل هذه الألعاب إلى شيء من الحرائق ، وأن يكون هذا في الأماكن المكشوفة - في البر مثلاً - أو في أماكن مكشوفة ، لا يكون فيها تأثير على الناس في ممتلكاتهم ، ولا في إزعاجهم في منامهم .
فإذا تحقق هذا الأمر : فالأمر في هذا يسير ، ويبقى شيء آخر :
قضية المنع ، إذا كان في هذا منع : فعلى الناس الامتناع عنه إذا كان ممنوعاً من الجهات والسلطات المختصة من بيعه وتداوله" انتهى .
" الشيخ سليمان الماجد " من برنامج " الجواب الكافي " في قناة المجد .
وبالتأمل في الشروط التي ذكرها الشيخ سليمان حفظه الله نجد أن العابثين بهذه المفرقعات لا يلتزمون بها ، فأذيتها بنارها على اللاعب بها وعلى غيره متحققة جدّاً ، والصحف اليومية لا تكاد تخلو من ذِكر حوادث حرائق أو انفجارات كان سببها تلك المفرقعات النارية ، وعندنا إحصائيات متعددة في دول متفرقة لتلك الحوادث ، وبعضها كان سبباً لوفيات كثيرة ، ويمكن النظر في أعداد صحيفة " الجزيرة " العدد ( 10317 ) في 1 / 10 / 1421هـ ، والعدد ( 10318 ) في 2 / 10 / 1421هـ ، والعدد ( 10319 ) في 3 / 10 / 1421هـ ليقف السائل وغيره على حوادث متفرقة بسبب تلك الألعاب والمفرقعات الناريَّة .
وتتعدى أذيتها إلى السمع بسبب أصواتها المؤذية ، كما تتعدى إلى البصر بسبب شررها وضوئها ، كما يتعدى إلى الجلد بسبب رمادها ، وكلام الاختصاصيين في هذا المجال كثير وموثق بحالات وأرقام في دول متعددة .
ونرى أيضاً من يعبث بها لا يأتي إلى أماكن مكشوفة كالبرِّ – مثلاً – بل يكون استعمالها بين البيوت وفي أماكن تجمعات الناس .
وشرط استعمال الأطفال لها بحضور ولي أمره أيضاً متخلف غالباً ، فغالب من يستعملها من الأطفال يكون أثناء البعد عن أهاليهم .
والشرط الأخير وهو منع الدولة لاستعمالها شرط مهم ، حيث يتعدى كثير من الناس على القانون الذي يحفظ حياة الناس وصحتهم ، فيخالفون النظام والقانون ، والقانون الذي يحقق مصلحة وليس فيه مضرة ولا مخالفة للشرع يجب الالتزام به .
ويضاف إلى ما ذكره الشيخ سليمان حفظه الله شرط آخر وهو عدم بذل أموال طائلة في شرائها ، والملاحظ أن ثمنها مرتفع ، ولا يستفيد مشتريها والعابث بها شيئا سوى الضرر والأذية له ولغيرها ، وهو من تضييع المال وصرفه في غير وجهه الشرعي .
ويضاف – أيضاً – شرط آخر وهو عدم ترويع الآمنين ، حيث يعمد الكبار والصغار إلى إطلاق هذه المفرقعات على المارة أو على بيوت الناس لترويعهم وإدخال الخوف إلى قلوبهم ، وهذا محرَّم حتى لو كان على سبيل المزاح ، فكيف لو كان جادّاً ؟! .
والخلاصة :
أننا نرى المنع من بيعها وشرائها ، كما أفتى بذلك الشيخ العثيمين رحمه الله ، وأن القول بالجواز بالشروط التي ذكرها الشيخ سليمان حفظه الله وما أضفناه لها : هو قول قوي ، إلا أن التزام الناس به قد يعسر ، فنرى أن الأحوط هو المنع بالكلية .
والله أعلم
تعليق