الحمد لله.
عن عذاب النار وأنه أبدي سرمدي ، ولم لا يكون مؤقتاً : من وجوه :1. أن هذا الاعتقاد موجود في الأديان كلها التي يعتقد أهلها بالجنة والنار .
2. أن الطاعن في هذا الاعتقاد لا يخلو من كونه أحد رجلين إما مسلم أو ملحد ، فإن كان مسلماً فلم يخالِف ؟! وإن كان ملحداً فلم يخاف ؟! فالذي يؤمن بربِّه تعالى ويؤمن بهذا الوعيد فحريٌّ به أن لا يخالف شرع الله تعالى وعليه أن يأتي بالمأمور ويترك المحظور وإلا تعرَّض لوعيد من قد آمن به ربّاً وهو يعلم أن وعيد الله حق وقد توعد ربه تعالى من مات على الكفر الأكبر أو الردة أنه يخلَّد في نار جهنَّم أبداً فعليه الحذر من ذلك وأن لا يموت إلا مسلماً كما أمره ربه تعالى ، وأما غير المؤمن بالله تعالى فلم يخاف من هذا العقاب السرمدي وهو لا يؤمن أصلاً برب ولا بجنة ولا نار ؟! وبيننا وبين هذا الملحد يوم القيامة لنرى مَن سينجيه مِن رب السموات والأرض في يوم يقول فيه خواص الناس من المرسلين " ربِّ سلِّم ربِّ سلِّم " ، وأما إن كان المعترض يهوديّاً أو نصرانيّاً فهم يعتقدون أن مخالفيهم سيخلدون في نار جهنَّم فلا نظنهم يعترضون ! فقد قال تعالى عنهم ( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ) البقرة/ 111 ، فاليهود قالت لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديّاً ، والنصارى قالت لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيّاً ، وكل واحد منهم لا يشك أنه مهتدي ناجٍ وأن مخالفه ضال هالك ، وإذا كان حكمهم على بعضهم بعضاً فمن الأكيد سيكون حكمهم كذلك على المسلمين ! ويكفي للرد عليهم ما قاله الله عز وجل بعدها مباشرة ( تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين . بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة/ 111 ، 112 .
3. ومن أسباب استحقاق هؤلاء الكفار للخلود الأبدي في النار : ما أخبر الله تعالى به عنهم أنهم لو رُدُّوا إلى الدنيا لعادوا للكفر والضلال .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
"وذكر ابن القيم سفسطةً للدهريين هي قولهم : " إن الله أعدل من أن يعصيه العبد حقباً من الزمن فيعاقبه بالعذاب الأبدي " ، قالوا : " إن الإنصاف أن يعذبه قدر المدة التي عصاه فيها " .
ثم قال – في ردها - :
وأما سفسطة الدهريين التي ذكرها – أي : ابن القيم - استطراداً : فقد تولى الله تعالى الجواب عنها في محكم تنزيله ، وهو الذي يعلم المعدوم لو وُجد كيف يكون ، وقد علم في سابق علمه أن الخُبث قد تأصل في أرومة هؤلاء الخبثاء بحيث إنهم لو عُذبوا القدْر من الزمن الذي عصوا الله فيه ثم عادوا إلى الدنيا لعادوا لما يستوجبون به العذاب ، لا يستطيعون غير ذلك ، قال تعالى في سورة الأنعام ( وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) الأنعام/ 27 ، 28 "انتهى من" مجالس مع فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي " الشيخ أحمد بن محمد الأمين ( ص 59 ) .
4. وبحسب حال العبد في الدنيا من الطيب والخبث دواماً وانقطاعاً يكون حاله في الآخرة مع الجنة والنار .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
"ولما كان النَّاس على ثلاث طبقات : طيب لا يشينه خبث ، وخبيث لا طيب فيه ، وآخرون فيهم خبث وطيب : كانت دورهم ثلاثة : دار الطيب المحض ، ودار الخبيث المحض ، وهاتان الداران لا تفنيان ، ودار لمن معه خبث وطيب ، وهي الدار التي تفنى ، وهي دار العصاة ؛ فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد ؛ فإنهم إذا عُذبوا بقدر جزائهم : أُخرجوا من النار فأُدخلوا الجنَّة ، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض" انتهى من" الوابل الصيب " ( ص 24 ) .
والله أعلم
تعليق