الحمد لله.
أولا :
أمر الله تعالى عباده المؤمنين أمرا عاما بغض أبصارهم عما لا يحل لهم من النظر إلى العورات والمحارم ؛ فقال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) الآية ، النور/30-31
قال ابن كثير رحمه الله : " هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا.." انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/41) .
ثانيا:
مما ينبغي تقريره هنا معرفة حدود العورة . وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله :
" أجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجل والمرأة، وأن المرأة كلها عورة، إلا وجهها ويديها ، فإنهم اختلفوا فيهما " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/237) ، وينظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لابن رشد (1/99) .
وينظر جواب السؤال رقم (121171) ، ورقم (12371) .
ثالثا :
إذا تقرر ما سبق من أن عورة المرأة بالنسبة للرجل هي : جميع بدنها ، ما عدا الوجه والكفين ، على خلاف معتبر فيهما ؛ فقد ثبت في صحيح مسلم (338) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ ) .
قال النووي رحمه الله في شرحه : " وَأَمَّا أَحْكَام الْبَاب : فَفِيهِ تَحْرِيم نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل , وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة , وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ .
وَكَذَلِكَ نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الرَّجُل حَرَام بِالْإِجْمَاعِ .
وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل عَلَى نَظَرِهِ إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى .." .
ثم قال رحمه الله :
" وَأَمَّا نَظَر الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَة فَحَرَام فِي كُلّ شَيْء مِنْ بَدَنهَا "
انتهى من "شرح صحيح مسلم" للنووي .
والحاصل مما سبق :
أن بدن المرأة عورة كله ، بإجماع العلماء ، ما عدا الوجه والكفين ففيهما خلاف معتبر ؛ ولا يحل النظر إلى عورة المرأة ، ولو من غير شهوة ، ولو مع أمن الفتنة ، بإجماع العلماء السابق نقله . وأما الوجه والكفين ففي النظر إليهما من غير شهوة خلاف ، والراجح تحريم النظر إليهما إلا لحاجة تبيح النظر ، كالنظر إلى المخطوبة .
فإذا تبين ذلك ، وعرفنا حال المذيعات في البرامج التلفزيونية ، من التبرج والسفور الواضح ، بل الفاضح ، وتعمد إظهار الزينة : عرفنا أن اللائق بأصول الشريعة ونصوصها ، وما قرره أهل العلم في ذلك ، هو القول بحرمة النظر إلى المذيعات ، حتى ولو قال الناظر إن الفتنة في نظره إليهن مأمونة ، أو أنه لا ينظر نظر شهوة
وأولى من ذلك مشاركتهن في البرامج الحوارية أو غيرها ، ففيه نظر ، وزيادة اجتماع وخلطة بهن.
والمصلحة المعتبرة شرعا من برامجهن ، يمكن تحصيلها بوجوه أخرى ، ليس فيها هذا النظر أو المخالطة
والله أعلم .
تعليق