الحمد لله.
أولا :
هذا الشرط الذي أضفته إلى يمينك هو من " نذر اللجاج" ، الذي يقصد به صاحبه أن يحث نفسه على فعل شيء ، أو يمنعها منه ؛ فإذا وفى بما حلف عليه ، أو نذره فلا إشكال ، وهذا هو الأصل الواجب عليه ، ما دام قد نذر طاعة ، أو حلف عليها ؛ فإن الطاعة إما أن تكون واجبة ، فيحرم عليه تركها بأصل الشرع ، ويتأكد ذلك عليه بما ألزم به نفسه من اليمين أو النذر ، وإما أن تكون مستحبة ، فيلزمه فعلها بيمينه أو نذره .
وهكذا الشأن في ترك المحرم ، أو المكروه .
فإن حنث في يمينه ، وفعل ما حلف على تركه ، أو ترك ما حلف على فعله : فإنه يخير بين أن يكفر عن يمينه ، أو يوفي بالنذر الذي ألزم به نفسه .
وينظر جواب السؤال رقم (2587) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" مَسْأَلَةٌ : أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِين :
... إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا ، أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ ، أَوْ صَدَقَةُ مَالِي ، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ ، فَهَذَا يَمِينٌ، حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ ، فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ ، وَحَفْصَةَ ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالْقَاسِمُ ، وَالْحَسَنُ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَرِيكٍ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَالْعَنْبَرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ...
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ، كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ ، وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ . رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْجُوزَجَانِيُّ، فِي " الْمُتَرْجَمِ ".
وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ، أَوْ الْهَدْيِ، أَوْ جَعْلِ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ يَمِينٌ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة: 89] ، وَدَلِيلُ أَنَّهُ يَمِينٌ، أَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ ، وَيُسَمَّى قَائِلُهُ حَالِفًا، وَفَارَقَ نَذْرَ التَّبَرُّرِ؛ لِكَوْنِهِ قَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْبِرَّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، وَهَا هُنَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ قُرْبَةً وَلَا بِرًّا ، فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ مِنْ وَجْهٍ وَالنَّذْرَ مِنْ وَجْهٍ، فَخُيِّرَ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِهِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَة ..." انتهى من "المغني" (9/505) ، وينظر : "كشاف القناع" (6/275) ، "الشرح الممتع" (6/508) .
ثانيا :
إذا حنث الحالف أو الناذر في يمينه ، فقد انحلت تلك اليمين ، ولم يلزمه إلا كفارة واحدة ، وما فعله بعد ذلك ، فلا كفارة عليه ؛ إلا أن يكون قد حلف أنه كلما فعل الذنب ، لزمه كذا ..، فهنا يلزمه كفارة كلما حنث ، لكن إن حنث مرات ولم يكفِّر بعد كل حنث كفاه كفارة واحدة .
على أن الذي ينبغي أن تعتني به قبل يمينك أو نذرك ، وأن يطول اهتمامك به : هو ذلك الذنب الذي غلبك على نفسك ، وأضعف عزمك ، ووقعت أسيرا له ؛ فالواجب عليك أن تبادر بالتوبة إلى الله عز وجل من ذلك ، والأخذ بالأسباب العملية لتجنب ذلك الذنب ، وأن تغلق عن نفسك كل تلك الأبواب ، وأن تهاجر إلى ربك جل جلاله ، وتفر إليه ؛ تهاجر من معصيته إلى طاعته ، ومن طاعة نفسك وهواك ، إلى طاعة ربك .
والله أعلم .
تعليق