الحمد لله.
أولاً:
أنساك الحج ثلاثة يُخيَّر من يريد الإحرام بينها ، وهي : التمتع - وهو الأفضل - ، والقِران ، والإفراد .
فالتمتع هو : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فيأتي بأعمالها ثم يتحلل منها ، ثم يحرم بالحج من عامه , وعليه دم إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام .
والقران : أن يحرم بالحج والعمرة معا ، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها ، وعليه دم كالمتمتع .
والإفراد هو : أن يحرم بالحج مفرداً ، فيبقى على إحرامه إلى أن يرمي الجمرة يوم العيد , ويحلق رأسه , ويطوف طواف الإفاضة , ويسعى بين الصفا والمروة .
ثانياً:
أما بخصوص الفتوى التي أشرتم لها ، فالموقع فيه فتويان في الموضوع ، فإذا كنتم تريدون الفتوى برقم ( 36364 ) - وهي عن الشيخ عبد العزيز بن باز - فنقول : هي صحيحة في مضمونها وخطأ في عنوانها ؛ إذ ليست هي في " المفرد " ، بل هي في القارن والمتمتع وهما اللذان لا يشرع لهما العمرة بعد أداء الحج وقد سبقت منهما عمرة الحج ، وهو مرادنا بنقل الفتوى ؛ إذ فيها " وقد سبق أن اعتمر " ، وفيها " اشتغال الحجاج بعمرة أخرى بعد فراغهم من الحج سوى العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع " ، وهذا لا ينطبق على " المفرد " والذي لم يأتِ بعمرة في نسكه ولا كان جاء بها من قبل ؛ فإن هذا تشرع له العمرة بعد حجه ، كما بينَّاه في جواب السؤال رقم ( 106576 ) – وهي عن الشيخ محمد الصالح العثيمين - ، وفيها : أنه سئل – رحمه الله - عن العمرة بعد الإفراد ، فأجاب : " هذا العمل لا أصل له في السنَّة ، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد الحج ، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، وأصحابه الذين هم خير القرون ... .
نعم : لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا ، وهو قد أتى بحج مفرد ، فإنه في هذه الحال في ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة ، ليؤدي واجب العمرة ؛ فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم ؛ وحينئذ يخرج إلى " التنعيم " أو إلى غيره من الحل فيحرم منه ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر " انتهى .
لذا فإذا حججتم متمتعين أو قارنين : فلا تأتوا بعمرة بعد حجكم ، وإذا حججتم مفردين ولم يتيسر لكم العمرة من قبل : فلا بأس من إتيانكم بعمرة بعد حجكم ، وعائشة رضي الله عنها لم تأتِ بنسك لأجل ما أصابها من عذر الحيض ؛ ولكنها أصَّرت على أداء أعمالها بعد حجها ، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما لم يفعله غيرها ممن حج قارناً أو متمتعاً ، حتى إن أخاها الذي ذهب معها للتنعيم لم يعتمر معها ، فدل ذلك على اختصاص ذلك بمن كان على مثل حالها .
والعمرة التي يأتي بها المفرد بعد حجه إذا لم يكن قد اعتمر من قبل : هي عمرة الإسلام في حقه فلا بأس أن يأتي بها إذا كان يصعب عليه الرجوع إلى مكة لأدائها في سفرة مستقلة ، وأما إذا كان قد اعتمر من قبل : فنرى أنه لا يشرع له الإتيان بعمرة بعد حجه ، كما ذكرناه في جواب السؤال رقم ( 106576 ) وكما سنوضحه عن الشيخ ابن باز رحمه الله - وهو صاحب الفتوى نفسها برقم ( 36364 ) - .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
حججتُ حجة فرض ولم أعتمر معها فهل عليَّ شيء ؟ ومن اعتمر مع حجه هل يلزمه الاعتمار مرة أخرى ؟ .
فأجاب : " إذا حج الإنسان ولم يعتمر سابقا في حياته بعد بلوغه : فإنه يعتمر سواء كان قبل الحج أو بعده ، أما إذا حج ولم يعتمر : فإنه يعتمر بعد الحج إذا كان لم يعتمر سابقا ؛ لأن الله جل وعلا أوجب الحج والعمرة ، وقد دل على ذلك عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالواجب على المؤمن أن يؤديها ، فإن قرن الحج والعمرة : فلا بأس ، بأن أحرم بهما جميعاً أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج فلا بأس ويكفيه ذلك ، أما إن حج مفرداً بأن أحرم بالحج مفرداً من الميقات ثم بقي على إحرامه حتى أكمله : فإنه يأتي بعمرة بعد ذلك من " التنعيم " أو من " الجعرانة " أو غيرها من الحل خارج الحرم ، فيحرم هناك ثم يدخل فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر هذه هي العمرة ، كما فعلت عائشة رضي الله عنها فإنها لما قدمت وهي محرمة بالعمرة أصابها الحيض قرب مكة فلم تتمكن من الطواف بالبيت وتكميل عمرتها ، فأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج وأن تكون قارنة ففعلت ذلك وكملت حجها ثم طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر ؛ لأن صواحباتها قد اعتمرن عمرة مفردة ، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى " التنعيم " فتحرم بالعمرة من هناك ليلة أربعة عشر ، فذهبت إلى " التنعيم " وأحرمت بعمرة ودخلت وطافت وسعت وقصرت ، فهذا دليل على أن من لم يؤد العمرة في حجه يكفيه أن يحرم من التنعيم وأشباهه من الحل ، ولا يلزمه الخروج إلى الميقات ، أما من اعتمر سابقاً وحج سابقاً ثم جاء ويسر الله له الحج : فإنه لا تلزمه العمرة ويكتفي بالعمرة السابقة ؛ لأن العمرة إنما تجب مرة في العمُر كالحج سواء ، فالحج مرة في العمُر والعمرة كذلك لا يجبان جميعا إلا مرة في العمر ، فإذا كان قد اعتمر سابقا : كفته العمرة السابقة ، فإذا أحرم بالحج مفرداً واستمر في إحرامه ولم يفسخه إلى عمرة : فإنه يكفيه ، ولا يلزمه عمرة في حجته الأخيرة ، لكن الأفضل له والسنة في حقه إذا جاء محرماً بالحج أن يجعله عمرة بأن يفسخ حجه هذا إلى عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل ، فإذا جاء وقت الحج أحرم بالحج يوم الثامن ، هذا هو الأفضل وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع لما جاء بعضهم محرماً بالحج وبعضهم محرماً بالحج والعمرة وليس معهم هدي ، أمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة ، أما من كان معه الهدي : فيبقى على إحرامه حتى يكمل حجه إن كان مفرداً ، أو عمرته إن كان معتمراً مع حجه " انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 16 / 356 – 358 ) .
والخلاصة :
أن للمفرد أن يأتي بعمرة بعد حجه إذا لم يكن قد اعتمر من قبل ، ولا يشرع له ذلك إذا كان قد أدى عمرة ، كما لا تشرع العمرة بعد الحج للمتمتع أو القارن .
تعليق