الحمد لله.
ليس في هذا الحديث عند أهل السنَّة إشكال بفضل الله ؛ لأنهم يؤمنون أنه هناك آيات قرآنية أنزلها الله تعالى على نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم نسخت – والنسخ هو الرفع والإزالة – ، وهذا النسخ للآيات القرآنية له وجوه أربعة :
1. آيات حفظها الصحابة رضي الله عنهم وتلوها قرآناً ، ثم نسخها الله تعالى تلاوة وحكماً ، ولم تُرفع من قلوبهم وحفظهم ، لكنهم لا يرددونها على أنها قرآن .
ومثاله : ما ذكره الأخ السائل في الحديث ، ومثاله : الآية التي فيها التحريم بعشر رضعات .
2. آيات حفظها الصحابة رضي الله عنهم وتلوها قرآناً ، ثم نسخها الله تعالى تلاوة وحكماً ، ورفعت من قلوبهم وحفظهم .
ومثاله : ما رُفع من الآيات في سورة الأحزاب والتي كانت تعادل في طولها سورة " البقرة " .
قال السيوطي - رحمه الله - : " هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقوله تعالى ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ) ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه ، ويمحوه من قلوبهم ، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذ لا نسخ بعده " انتهى من " الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج " ( 3 / 129 ) .
3. آيات رُفع لفظها وبقي حكمها .
ومثاله : آية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا ... " .
4. وجه رابع أخير وهو ما رُفع حكمها وبقي لفظها قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة .
ومثاله : ما نزل من آيات في إباحة الخمر مثل قوله تعالى ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) النحل/ 67 .
وفي الحديث الذي ذكره الأخ السائل بيان أن جملة " بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ " كانت قرآناً يُتلى ثم رُفعت ورفعها يعني أنها لم تعُد قرآناً ، وهي مما حفظه الصحابة وبقي في قلوبهم – وهو الوجه الأول السابق ذِكره - وهذه رواية أخرى للحديث فيها لفظ يوضح ذلك .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ غَدَاةً عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
قَالَ أَنَسٌ : أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ " بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ " .
رواه البخاري ( 2659 ) .
وقد ذكر هذه الوجوه الأربعة كلها أئمة الإسلام ، وبعضهم يجعلها وجوهاً ثلاثة جاعلاً الوجهين الأولين وجهاً واحداً ، ومن هؤلاء الإمام ابن عبد البر رحمه الله ، في كتابه " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " ( 4 / 273 – 277 ) .
وانظر جوابي السؤالين ( 105746 ) و ( 110237 ) ففيهما أمثلة ونقولات عن أهل العلم مفيدة في باب النسخ .
والله أعلم
تعليق