الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم التوقيع على اتفاقيات برامج ومواقع يُرجع فيها لمحاكم وضعية عند التنازع

175467

تاريخ النشر : 28-08-2012

المشاهدات : 17047

السؤال


عندما نقوم بتسجيل اشتراك في " الفيس بوك " فإن نصوص الاتفاق تتضمن هذه النقطة : 15. نزاعات : ستقوم بحل أي دعوى أو قضية أو نزاع معنا ينشأ من - أو يتعلق - بهذا البيان أو بالفيس بوك فقط وحصريّاً في " المحكمة الفدرالية " التابعة لمقاطعة " سانتا كلارا " ، وسيخضع هذا البيان لأحكام قوانين ولاية " كاليفورنيا " كما هو الحال في أي دعوى تقام بيننا وبينكم ، دون الأخذ بأحكام قانون المنازعات . وتعتبر هذه موافقة على الخضوع للسلطان القضائي لمحاكم مقاطعة " سانتا كلارا " للتقاضي في جميع هذه الدعاوى . انتهى . وبدون شك فإن في هذا قبول للذهاب والقبول بحكم غير حكم الله ، فهل يمكن أن يكون التسجيل في هذا النوع من المواقع الإلكترونية جائزاً ؟

الجواب

الحمد لله.


فإن الله تعالى قد أوجب على الحاكِم أن يحكم بشرعه فقال تعالى : ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) المائدة/ 48 ، 49 .
ثم وصف الأحكام التي لا تسير على ما شرع – تعالى - بأنها جاهلية فقال: ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/ 50 .
وفي هذا بيان أن المتحاكِم لغير الشرع جاهل ولا يميز بين الخبيث والطيب لأنه لا يوقن بأن حكم الله هو الحق وهو العدل .
والأشد من ذلك أنَّ الشرع قد علَّق الإيمان على التحاكم إليه ، فقال تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/ 65 .
قال الشيخ السعدي – رحمه الله - : " فالتحكيم في مقام الإسلام ، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان ، والتسليم في مقام الإحسان ، فمَن استكمل هذه المراتب وكملها : فقد استكمل مراتب الدين كلها ، ومَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له : فهو كافر ، ومَن تركه مع التزامه : فله حكم أمثاله من العاصين " انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 184 ) .

وثمة آيات كثيرة تشدد على ضرورة التحاكم إلى الله تعالى وشرعه ، وتصف المتحاكمين إلى غير حكمه بالأوصاف المخرجة من الإيمان .
وهذا كله في غير المضطر والمكرَه وصاحب الحرج الشديد ، وهؤلاء يقال بجواز تحاكمهم إلى غير أحكام شرع الله تعالى بشروط :
1. أن يعتقد في قلبه أن حكم الله خير وأولى من حكم غيره ، وأن يطمئن قلبه إلى شرع الله تعالى وأحكامه ، قال الله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/ 106 .
2. أن لا يمكنه الوصول إلى حقِّه إلا بتلك الطريق وأن يكون متعذراً عليه التحاكم للشرع كعدم وجود محاكم شرعية أصلاً .
3. وإذا حُكم له بشيء : فلا يستحل منه لنفسه إلا الذي يحله له الشرع .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : " من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ... فأشير إلى استفتائك الذي تسأل فيه عن حكم المتحاكِم إلى مَن يحكم بالقوانين الوضعية إذا كانت المحاكم في بلده كلها تحكم بالقوانين الوضعية ، ولا يستطيع الوصول إلى حقه إلا إذا تحاكم إليها ؛ هل يكون كافراً ؟! .
وأفيدك : بأنه إذا اضُطر إلى ذلك : لا يكون كافراً ، ولكن ليس له أن يتحاكم إليهم إلا عند الضرورة ، إذا لم يتيسر له الحصول على حقه إلا بذلك ، وليس له أن يأخذ خلاف ما يحله الشرع المطهر " انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 23 / 214 ) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين ، أمور الطلاق والتجارة وغيرها من الأمور ؟ .
فأجابوا :
" لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة ، إذا لم توجد محاكم شرعية ، وإذا قضي له بغير حق له : فلا يحل له أخذه " .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 23 / 502 ) .

هذا وإن المشاركة في موقع " الفيس بوك " وغيره من المواقع المهمة ، وكذلك مواقع البريد الإلكتروني قد صار من ضروريات العصر ، فمن وجد موقعاً يؤدي حاجته من غير وجودٍ لهذا الشرط : وجب عليه أن يسير إليه ، ومن توقفت حاجته المُلحَّة – أو ضرورته - عليه : فلا حرج عليه إن شاء الله من التوقيع على بنود الاتفاقية ، وفيها الإلزام بالتحاكم لمحكمة قوانين وضعية .
وليُعلم بأن هذا الشرط موجود في كثير من البرامج التي نستخدمها كالويندوز والوورد ، وليُعلم – كذلك – أن عقود البيع والشراء والاستيراد والتصدير والسفر والدخول إلى البلاد للعلاج والدعوة والزيارة ، كل ذلك لا يكون إلا بعد توقيع اتفاقيات تنص في بنودها على التحاكم لمحاكم وضعية عند مخالفة الشروط أو عند المنازعة ، والقول بالتحريم والمنع فيه تضييق شديد وحرج بالغ ، ولم يجعل الله علينا في الدِّين من حرجٍ .
وكلنا يعلم أنه ليس يوجد الآن محكمة إسلامية عالمية يُمكن أن يَرجع المسلم إليها عند التنازع في مثل هذه العقود العالمية ، فالموقِّع على تلك الاتفاقية لم يترك التحاكم إلى شرع الله تعالى ، لأنه لا يوجد مطبَّقاً في أكثر بلاد المسلمين أصلاً فكيف في بلاد الكفر ؟! وإذا كان اللجوء إلى تلك المحاكم يجوز للمسلم فعله من أجل تحصيل حقه أو دفع الأذى عنه ، فتوقيعه للاتفاقية مع عدم قصده لذلك الشرط ، وعدم رضاه عنه ، أولى وأخف وأيسر ، فليكن قلب المؤمن مطمئناً بالإيمان ، ولينوِ في قلبه عدم موافقته على الشروط الباطلة في عقودهم ، ونرجو أن يكون الأمر بعد ذلك كله جائزاً .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب