الحمد لله.
أولا :
أمر الشارع ببر الوالدين ، وعدّ ذلك من أعظم القربات ، ونهي عن عقوقهما ، وعد ذلك من أكبر المحرمات ، ولا شك أن الدعاء على الوالدين أو أحدهما من العقوق الذي هو من أكبر الكبائر ، وقد روى مسلم (1978) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيه ) . ورواه أحمد (860) ولفظه : ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ ).
سئل علماء اللجنة :
ما حكم ضرب الأم أو سبها ؟
فأجابوا : " ضرب الأم أو سبها من العقوق المحرم ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ؛
لقوله تعالى : ( فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا
قَوْلًا كَرِيمًا ) والواجب على من فعل ذلك التوبة إلى الله ، وطلب المسامحة منها ،
والإحسان إليها ، وهكذا الأب " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (25 /238) .
ثانيا :
من أساء إلى والديه ، أو أحدهما ، بسب أو لعن أو دعاء ، فهو مرتكب لذنب عظيم ،
وعليه أن يتدارك نفسه بالتوبة إلى الله ، وطلب العفو ممن أساء إليه من والديه ،
والعمل على مرضاته وبره بكل ممكن ، والندم على ما أقدم عليه من جرم ، والعزم على
عدم العودة إلى ذلك أبدا .
فإذا كانت والدتك حية ، وقد واجهتها أنت بهذا السب ، فاطلب عفوها ورضاها بكل مستطاع
من القول الطيب والعمل الصالح ، بالاعتذار والندم والبكاء وطلب العفو والوعد بعدم
العود ، ثم بالطاعة في كل ما يمكنك طاعتها فيه من المعروف ، والامتثال لأوامرها ،
وعدم التأخر في طاعتها وتلبية طلباتها ، فعسى أن يلين الله قلبها لك ويعطفها عليك
فتعفو عنك .
وإن لم تكن واجهتها بذلك ، ولم تعلم هي به ، فلا تخبرها بما كان منك ؛ بل اجتهد في
برها والإحسان إليها فيما يستقبل من أمرك .
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
أنا شاب قد عصيت الله جل وعلا ، وشتمت والديَّ ، ولكنّي ندمت كثيرًا ، وحاولت معهما
أن يسامحاني ، ولكن للأسف الشَّديد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ؛ فهل أدخُلُ النَّار
؟
فأجاب :
" ما دام أنَّك تبت إلى الله توبة صحيحة ؛ فإنَّ الله يتوب عليك ، ولكن يجب عليك أن
تستسمح والديك ؛ لأنَّ هذا حقٌّ لمخلوق ، ومن شروط التَّوبة إذا كانت من حقِّ
المخلوق أن يسمح له ذلك المخلوق عن حقِّه ؛ فعليك ببرِّ والديك والإحسان إليهما حتى
يرضيا عنك ، عليك ببرِّهما والإحسان إليهما والعطف عليهما لعلَّهما يرضيان عنك إن
شاء الله تعالى ؛ فلا بدَّ من هذا .
أمَّا لعن الوالدين ؛ فإنه كبيرة عظيمة ... ولكنَّ التوبة تَجُبُّ كلَّ الذُّنوب ،
التوبة لا يبقى معها ذنب ؛ قال الله سبحانه وتعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) [ طه / 82 ، وقال تعالى : ( قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) الزمر/ 53 ، والله تعالى
يغفر الشِّرك ويغفر الكفر إذا تاب منه ؛ قال تعالى : ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ
إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال / 38 ، وقال في
النَّصارى الذين يقولون : إنَّ الله ثالثُ ثلاثة ! ويقولون : إنَّ الله هو المسيح
ابن مريمَ ! قال تعالى : ( أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) المائدة / 74 .
فلا تيأس ، ولا تقنط ، وتُب إلى الله ، وأحسن إلى والديك ، وسيعطِّفُ الله قلوبهما
عليك ، ويسمحان عنك إن شاء الله " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (21 /1-2) .
ثالثا :
أما إذا كانت قد توفيت فعليك بالدعاء لها والاستغفار لها دائما ، في الصلاة وفي غير
الصلاة ، والانشغال بذلك والإكثار منه والاستمرار عليه ، والإحسان إليها بكل وجه
يمكنك .
واجتهد في أداء ما عليها من حقوق ، إن كان عليها شيء من ذلك ، وصلة رحمها ، ورعاية
صغارها إن كان لها صغار .
سئل علماء اللجنة أيضا :
هل يغفر الله ذنب رجل كان يعق والديه وهما مسلمان ، في حياتهما إلى أن ماتا وهما
غاضبان عليه ، حيث تاب إلى الله وندم على ما فات منه واستغفر ؟
فأجابوا : " التوبة واجبة من جميع الذنوب ، ويغفر الله للتائب كل الذنوب إذا صحت
توبته كما قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) ويشرع للذي كان عاقا لوالديه حتى ماتا أن يكثر الدعاء لهما
إذا كانا مسلمين ويتصدق عنهما ، ويسدد ما عليهما من الديون إذا كان عليهما ديون
وليس لهما تركة تسدد منها ، وينفذ وصاياهما إذا كان لهما وصايا شرعية " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (25 /235-236)
وينظر: جواب السؤال رقم : (149051)
(148924) ، (174800)
.
والله أعلم .
تعليق