الحمد لله.
أولاً :
قبل الحكم على الماريجونا ، لا بد من أن نتعرف على حقيقتها ، وما تحدثه هذه المادة من تأثير.
فالماريجونا : هي إحدى مشتقات نبات ( القِنَّب الهندي ) ؛ وهو : نبات ذو تأثيرات مخدرة ، ينتشر في البلدان العربية بعدة أسماء : ( البانجو في مصر، بانجو ، والبانجو مختلف عن الحشيش، أو حتى التسمية الغربية الشائعة : ماريغوانا أو ماريوانا أو الماريجوانا ) .
والصورة العشبية للعقار تتألف من الزهور المجففه الناضجة ، والأوراق المقابلة ( بالإنجليزية: pistillate) (براعم النباتات المؤنثة المزهرة) .
وأما الصورة المصنعة منه فمعروفة باسم الحشيش ؛ ويتكون أساسا من غدد الزغب glandular trichomes ، يتم جمعها من نفس المواد النباتية المادة الفعالة الرئيسية في القنب هي المركب الكيميائي العضوى رباعي هيدرو كانابينول Δ9-tetrahydrocannabinol (delta-9-en:tetrahydrocannabinol), والمعروف ب THC.
والحشيش من المواد المهلوسة
(بالإنجليزية: Hallucinogens) بجرعات كبيرة نوعاً من الهلوسة
وتدخين الحشيش أكثر الطرق انتشاراً ، وأسرعها تأثيراً علي الجهاز العصبي المركزي
نظراً لسرعة وصول المادة الفعالة من الرئة إلى الدم ، ومنه إلى أنحاء المخ ، ليشعر
الشخص بالاسترخاء والنعاس والابتهاج والانتعاش والمرح ، والشعور بضعف شديد في
القدرة على التركيز والانتباه ، وفي قدرة التذكر المباشر وقريب المدى ، كما يعاني
الشخص من خلل في التوازن الحسي والحركي ، مع زيادة ضربات القلب ، وارتفاع النبض ،
وهبوط ضغط الدم ، وجفاف الفم والحلق والحنجرة " انتهى من "الموسوعة الحرة ـ
ويكيبيديا" باختصار .
ثانيا :
إذا تبينا وصف مادة ( الماريجونا ) ، علمنا أنها هي الخمر ، وتنطبق عليها جميع
أحكامها ؛ فالأحكام الشرعية لا تؤخذ بالعقل، أو النظر والفكرة ، وإنما تتلقى من
النص الشرعي ، وحكم الله ورسوله على الشيء ؛ وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم كل
المسكرات خمرا ، وأنزل عليها جميع أحكامها :
روى مسلم في صحيحه (2003) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ
مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ
يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ ) .
فإذا كانت الماريجونا مادة مسكرة ، كما سبق في التعريف بها ، وكما هو معلوم مقرر من حالها ، فلا شك أنها خمر ، تنطبق عليها جميع أحكامها في الدنيا والآخرة .
ولا عبرة بأن المسكر منها هو
كمية كبيرة ، وأما الكمية الصغيرة فلا تسكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ) .
رواه النسائي (5607) وغيره ، وصححه الألباني.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله كلاما مهما مطولا حول ذلك ؛ فيه بيان ما تسأل عنه من الحكم ، وبيان
حال هذه المادة ( الماريجونا / الحشيشة ) وبيان انطباق جميع أحكام الخمر عليها ،
قال رحمه الله :
وَأَمَّا " الْحَشِيشَةُ " الْمَلْعُونَةُ الْمُسْكِرَةُ: فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ
غَيْرِهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ ، وَالْمُسْكِرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ
الْعُلَمَاءِ؛ بَلْ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ ،
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا ، كَالْبَنْجِ ، فَإِنَّ الْمُسْكِرَ يَجِبُ فِيهِ
الْحَدُّ ، وَغَيْرَ الْمُسْكِرِ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ.
وَأَمَّا قَلِيلُ "
الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ " فَحَرَامٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ،
كَسَائِرِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ
وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ) يَتَنَاوَلُ مَا يُسْكِرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ
يَكُونَ الْمُسْكِرُ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا؛ أَوْ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا،
فَلَوْ اصْطَبَغَ كَالْخَمْرِ كَانَ حَرَامًا وَلَوْ أَمَاعَ الْحَشِيشَةَ
وَشَرِبَهَا كَانَ حَرَامًا .
وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ؛ فَإِذَا قَالَ كَلِمَةً
جَامِعَةً كَانَتْ عَامَّةً فِي كُلِّ مَا يَدْخُلُ فِي لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا ،
سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَعْيَانُ مَوْجُودَةً فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ لَمْ
تَكُنْ ؛ فَلَمَّا قَالَ: ( كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ) تَنَاوَلَ ذَلِكَ مَا كَانَ
بِالْمَدِينَةِ مِنْ خَمْرِ التَّمْرِ وَغَيْرِهَا ، وَكَانَ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ
بِأَرْضِ الْيَمَنِ مِنْ خَمْرِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ خَمْرِ لَبَنِ الْخَيْلِ
الَّذِي يَتَّخِذُهُ التُّرْكُ وَنَحْوُهُمْ ، فَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ مِنْ
الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْمُسْكِرِ مِنْ لَبَنِ الْخَيْلِ وَالْمُسْكِرِ مِنْ
الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا فِي زَمَنِهِ كَانَ
يَعْرِفُهُ ، وَالْآخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ
الْعَرَبِ مَنْ يَتَّخِذُ خَمْرًا مِنْ لَبَنِ الْخَيْلِ.
وَهَذِهِ " الْحَشِيشَةِ " : فَإِنَّ أَوَّلَ مَا بَلَغَنَا أَنَّهَا ظَهَرَتْ
بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ
السَّابِعَةِ ، حَيْثُ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التتر؛ وَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ
سَيْفِ " جنكسخان " لَمَّا أَظْهَرَ النَّاسُ مَا نَهَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
عَنْهُ مِنْ الذُّنُوبِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ ، وَكَانَتْ هَذِهِ
الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ ، وَهِيَ شَرٌّ مِنْ
الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَالْمُسْكِرُ شَرٌّ مِنْهَا مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ ؛ فَإِنَّهَا مَعَ أَنَّهَا تُسْكِرُ آكِلَهَا حَتَّى يَبْقَى مصطولا
، تُورِثُ التَّخْنِيثَ والديوثة وَتُفْسِدُ الْمِزَاجَ .. وَتُوجِبُ كَثْرَةَ
الْأَكْلِ ، وَتُورِثُ الْجُنُونَ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ صَارَ مَجْنُونًا
بِسَبَبِ أَكْلِهَا.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ : إنَّهَا تُغَيِّرُ الْعَقْلَ فَلَا تُسْكِرُ كَالْبَنْجِ ؛ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ تُورِثُ نَشْوَةً وَلَذَّةً وَطَرَبًا كَالْخَمْرِ وَهَذَا هُوَ
الدَّاعِي إلَى تَنَاوُلِهَا ، وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا كَالشَّرَابِ
الْمُسْكِرِ ، وَالْمُعْتَادُ لَهَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ فِطَامُهُ عَنْهَا أَكْثَرَ
مِنْ الْخَمْرِ؛ فَضَرَرُهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَعْظَمُ مِنْ الْخَمْرِ .
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ كَمَا يَجِبُ فِي
الْخَمْرِ ، وَتَنَازَعُوا فِي " نَجَاسَتِهَا ...
فَمَنْ سَكِرَ مِنْ شَرَابٍ مُسْكِرٍ أَوْ حَشِيشَةٍ مُسْكِرَةٍ ، لَمْ يَحِلَّ
لَهُ قُرْبَانُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصْحُوَ ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ حَتَّى
يَعْلَمَ مَا يَقُولُ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَغْسِلَ فَمَهُ وَيَدَيْهِ وَثِيَابَهُ
فِي هَذَا وَهَذَا ، وَالصَّلَاةُ فَرْضُ عليه ؛ لَكِنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى
يَتُوبَ ، أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَهَا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ
صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ
فَشَرِبَهَا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ
قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عَرَقُ
أَهْلِ النَّارِ ) .
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
إنَّ هَذِهِ مَا فِيهَا آيَةٌ وَلَا حَدِيثٌ : فَهَذَا مِنْ جَهْلِهِ ؛ فَإِنَّ
الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ فِيهِمَا كَلِمَاتٌ جَامِعَةٌ هِيَ قَوَاعِدُ عَامَّةٌ
وَقَضَايَا كُلِّيَّةٌ ، تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا دَخَلَ فِيهَا ، وَكُلُّ مَا دَخَلَ
فِيهَا فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِاسْمِهِ الْعَامِّ ،
وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ ذِكْرُ كُلِّ شَيْءٍ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ .. " .
انتهى من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (34/204-207) .
فالواجب عليك يا عبد الله أن تقلع عن هذا الداء العضال ، وأن تكون قويا في أمر الله
، لا تهادن نفسك وهواك وشهوتك فيه ، فاحفظ دينك وصلاتك من شرب الخمر أن تفسد عليك
أمر دينك ودنياك ؛ ولو احتاج الأمر إلى علاج في مصحة طبية ، وجب عليك ذلك فورا ،
لتستعين به على ترك ما أنت فيه من البلاء .
نسأل الله أن يشرح صدرك لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ، وأن يمن عليك بالتوبة
النصوح.
والله أعلم
تعليق