الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

حكم الدم المسفوح الذي يصيب الجزار عند الذبح

السؤال

الجزار الذي يقوم بذبح البهائم يصيب ثوبه دم عند الذبح ، فهل يجوز الصلاة بتلك الملابس التي عليها بقع الدم؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

الدم المسفوح نجس بإجماع العلماء وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (114018). والدم المسفوح هو الذي يخرج من الذبيحة عند الذبح . وأما الدم الذي يخالط اللحم ، أو يبقى في العروق فلا يسمى دما مسفوحا .

ثانياً :

الواجب تطهير الملابس التي أصابه ذلك ، أو تغييرها قبل الدخول في الصلاة؛ لأن من شروط صحة الصلاة إزالة النجاسة، من الثوب أو البدن أو البقعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ) رواه أبو داود (650) وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود"

لكن أكثر العلماء رحمهم الله قيدوا ذلك؛ بما إذا كانت النجاسة كثيرة، فإن كانت يسيرة لم يلزمك غسلها لمشقة التحرز. جاء في "مختصر خليل" وشرحه : " ص) وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا (ش) : أَيْ وَعُفِيَ عَنْ دُونِ الدِّرْهَمِ مِنْ عَيْنِ الدَّمِ ، إذْ الْأَثَرُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ، وَلَوْ فَوْقَ الدِّرْهَمِ ، سَوَاءٌ كَانَ دَمَ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ، مِنْ الْجَسَدِ أَوْ خَارِجِهِ ، فِي ثَوْبِهِ أَوْ ثَوْبِ غَيْرِهِ أَوْ بَدَنِهِ ، فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا . "شرح مختصر خليل" ، للخرشي (1/107) .

وقال الحجاوي رحمه الله: "ويعفى ، في غير مائع ومطعوم ، عن يسير دم نجس من حيوان طاهر" قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " العفو: التسامح والتيسير. والمائع: هو السائل، كالماء، واللبن، والمرق: والمطعوم: ما يطعم كالخبز، وما أشبه. فيعفى في غير هذين النوعين كالثياب، والبدن، والفرش، والأرض وما أشبه ذلك عن يسير دم نجس... إلخ " انتهى من "الشرح الممتع" (1/439) .

وقد صرح غير واحد من الفقهاء بأن الجزار ونحوه ، ممن يتعاطى مثل هذه المهن ، هو في محل العفو عن يسير النجاسات التي يصيب بدنه وثوبه ، بحكم مهنته ، خاصة إذا اجتهد في توقي ذلك ، وإزالة ما أصابه منها ، أو شق عليه تغيير ملابسه لأجل الصلاة . جاء في "شرح مختصر خليل" للدردير رحمه الله : " .. (تَجْتَهِدُ) فِي دَرْءِ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ بِأَنْ تُنَحِّيَهُ عَنْهَا حَالَ بَوْلِهِ أَوْ تَجْعَلَ لَهُ خِرَقًا تَمْنَعُ وُصُولَهُ لَهَا، فَإِذَا أَصَابَهَا شَيْءٌ بَعْدَ التَّحَفُّظِ عُفِيَ عَنْهُ لَا إنْ لَمْ تَتَحَفَّظْ ، وَمِثْلُهَا الْكَنَّافُ وَالْجَزَّارُ قال الدسوقي رحمه الله في حاشتيه : " قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا الْكَنَّافُ) : أَيْ الَّذِي يَنْزَحُ الْكُنُفَ ، وَالْجَزَّارُ الَّذِي يَذْبَحُ الْحَيَوَانَ : فَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُمَا بَعْدَ التَّحَفُّظِ ، لَا إنْ لَمْ يَتَحَفَّظَا ، فَلَا عَفْوَ . وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغَسْلُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ أَوْ ظَنِّهَا ، وَالنَّضْحُ عِنْدَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهَا) أَيْ مِنْ الْكَنَّافِ وَالْجَزَّارِ (قَوْلُهُ: لِاتِّصَالِ عُذْرِهِمْ) : أَيْ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ فَلَا يُمْكِنُهُمْ التَّحَفُّظُ مِنْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ ..." انتهى ، من "الشرح الكبير، وحاشية الدسوقي عليه" (1/72) .

وقال العلامة ابن عابدين رحمه الله : " كَالْبَوْلِ الدَّمُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّابِ حِلْيَةٌ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْقَصَّابِ أَيْ: اللَّحَّامِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي ثَوْبِ غَيْرِ الْقَصَّابِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَرُورَةَ لِغَيْرِهِ " انتهى من "رد المحتار" (1/322) ، وينظر : (1/324) منه ، وأيضا : "الموسوعة الفقيهة" (40/113) .

والمرجع في حد القليل والكثير هو العرف. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المعتبر ما اعتبره أوساط الناس، فما اعتبروه كثيراً فهو كثير، وما اعتبروه قليلا فهو قليل". انتهى من "الشرح الممتع" (1/272).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب