الحمد لله.
اختلف القائلون بوجوب الوضوء من لحم الإبل - وهم الحنابلة - : هل يشمل ذلك جميع أجزاء الإبل ، من كبد وطحال وكرش وشحم ، ونحوها ؟ على قولين :
القول الأول : أن الوضوء لا يجب إلا من أكل اللحم خاصة .
القول الثاني : أن الوضوء يجب من أكل اللحم ومن غيره من أجزاء الإبل ، كالكبد والطحال والشحم ونحوها .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وفيما سوى اللحم من أجزاء البعير , من كبده , وطحاله وسنامه , ودهنه , ومرقه , وكرشه , ومصرانه , وجهان : أحدهما : لا ينقض ; لأن النص لم يتناوله , والثاني : ينقض ; لأنه من جملة الجزور ، وإطلاق اللحم في الحيوان يراد به جملته ; لأنه أكثر ما فيه , ولذلك لما حرم الله تعالى لحم الخنزير , كان تحريما لجملته , كذا هاهنا " انتهى من " المغني " (1/124) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " (وأكل اللحم خاصة من الجزور) وخرج بكلمة " خاصة " ما عدا اللحم كالكرش ، والكبد ، والشحم ، والكلية ،
والأمعاء ، وما أشبه ذلك .
والدليل على ذلك :
1. أن هذه الأشياء لا تدخل تحت اسم اللحم ، بدليل أنك لو أمرت أحدا أن يشتري لك
لحما ، واشترى كرشا ؛ لأنكرت عليه ، فيكون النقض خاصا باللحم الذي هو الهبر .
2. أن الأصل بقاء الطهارة ، ودخول غير ( الهبر : اللحم ) دخول احتمالي ، واليقين لا
يزول بالاحتمال .
3. أن النقض بلحم الإبل أمر تعبدي لا تعرف حكمته ، وإذا كان كذلك ، فإنه لا يمكن
قياس غير الهبر على الهبر ؛ لأن من شرط القياس أن يكون الأصل معللا ، إذ القياس
إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة ، والأمور التعبدية غير معلومة العلة وهذا هو
المشهور من المذهب .
والصحيح : أنه لا فرق بين
الهبر وبقية الأجزاء ، والدليل على ذلك :
1. أن اللحم في لغة الشرع يشمل جميع الأجزاء ، بدليل قوله تعالى : (حرمت عليكم
الميتة والدم ولحم الخنزير) المائدة:3 ، فلحم الخنزير يشمل كل ما في جلده ، بل حتى
الجلد ، وإذا جعلنا التحريم في لحم الخنزير -وهو منع- شاملا جميع الأجزاء ، فكذلك
نجعل الوضوء من لحم الجزور -وهو أمر- شاملا جميع الأجزاء ، بمعنى أنك إذا أكلت أي
جزء من الإبل ، فإنه ينتقض وضوءك .
2. أن في الإبل أجزاء كثيرة قد تقارب الهبر ، ولو كانت غير داخلة لبين ذلك الرسول
صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الناس يأكلون الهبر وغيره .
3. أنه ليس في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حيوان تتبعض أجزاؤه حلا وحرمة ،
وطهارة ونجاسة ، وسلبا وإيجابا ، وإذا كان كذلك فلتكن أجزاء الإبل كلها واحدة .
4. أن النص يتناول بقية الأجزاء بالعموم المعنوي ، على فرض أنه لا يتناولها بالعموم
اللفظي ؛ إذ لا فرق بين الهبر وهذه الأجزاء ؛ لأن الكل يتغذى بدم واحد ، وطعام واحد
، وشراب واحد .
5. أنه إذا قلنا بوجوب الوضوء وتوضأنا وصلينا ، فالصلاة صحيحة قولا واحدا ، وإن
قلنا بعدم الوجوب وصلينا بعد أكل شيء من هذه الأجزاء بلا وضوء ، فالصلاة فيها خلاف
، فمن العلماء من قال بالبطلان ، ومنهم من قال بالصحة ، ففيها شبهة ، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) ، وقال صلى الله
عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .
6. أنه روى أحمد في مسنده بسند حسن عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( توضؤوا من ألبان الإبل ) ، وإذا دلت السنة على الوضوء من ألبان
الإبل ، فإن هذه الأجزاء التي لا تنفصل عن الحيوان من باب أولى .
وعلى هذا يكون الصحيح أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء مطلقا ، سواء كان هبرا أم غيره
" انتهى من " الشرح الممتع " (1/299 -302).
فالمسألة محل خلاف بين أهل
العلم ، والأحوط أن يتوضأ الإنسان عنده أكله أي جزء من أجزاء الإبل كالكبد والطحال
والكرش ونحوها ؛ وذلك خروجا من خلاف أهل العلم ، واحتياطاً لصحة الصلاة ، لكن لا
يجب الوضوء من ألبان الإبل ؛ لعدم صحة الحديث ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال
رقم : (36736)
.
والله أعلم
تعليق