الحمد لله.
يجوز لمن أراد الصوم تطوعاً أن ينويه أثناء النهار، بخلاف صوم الفرض الذي تشترط له النية من الليل.
"وشرط صحة صوم النفل بنية من النهار: أن لا يوجد قبل النية مناف للصيام، من أكل وشرب ونحوهما، فإن فعل قبل النية ما يفطره؛ لم يصح بغير خلاف." انتهى من "الملخص الفقهي" (1/393).
قال ابن قدامة المقدسي: "إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ طَعِمَ قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا فَعَلَ مَا يُفْطِرُهُ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ." انتهى من"المغني" (3/ 115)
وأما الأحاديث التي وردت في أمر النبي صلى الله عليه وسلم للناس بإكمال صوم عاشوراء، سواء منهم من أكل أول النهار ومن لم يأكل؛ فوجهها أن صوم عاشوراء كان في ذلك الوقت فرضاً لازماً عليهم.
وفي الصوم الواجب: يجب على من علم به خلال النهار أن يمسك عن الأكل والشرب من وقت علمه به.
قال العيني عن صوم عاشوراء: "وَكَانَ صوماً وَاجِباً متعنياً." انتهى من "عمدة القاري" (10/304).
وقال الحافظ ابن حجر: "وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا، لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ، ثُمَّ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ، ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ الْأُمَّهَاتِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ فِيهِ الْأَطْفَالَ، وَبِقَوْلِ ابن مَسْعُودٍ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ: لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اسْتِحْبَابُهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ وُجُوبُهُ." انتهى من "فتح الباري" (4/247)
وقال الإمام النووي: "قَوْلُهُ: مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ مَنْ كَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ وَلَمْ يَأْكُلْ أَوْ أَكَلَ فَلْيمسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجِبُ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ." انتهى من "شرح صحيح مسلم" (8/13)
وقال الباجي: "وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، بِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ مُضِيِّ صَدْرٍ مِنْهُ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ." انتهى من " المنتقى شرح الموطإ" (2/58).
وأما بعد أن فُرض صوم رمضان، وصار صوم عاشوراء مستحباً، فلا ينطبق عليه هذا الحكم، بل حكمه حكم سائر النوافل، يجوز صومه بنية من النهار، شريطة أن لا يكون قد ارتكب قبل ذلك شيئاً من المفطرات.
سئل الشيخ ابن عثيمين عن شخص لم يتذكر يوم عاشوراء إلا أثناء النهار، فهل يصح إمساكه بقية يومه مع العلم بأنه أكل أول النهار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: "لو أمسك بقية يومه، فإنه لا يصح صومه، وذلك لأنه أكل في أول النهار، وصوم النفل إنما يصح من أثناء النهار فيمن لم يتناول مفطراً في أول النهار، أما من تناول مفطرا في أول النهار فإنه لا يصح منه نية الصوم بالإمساك بقية النهار، وعلى هذا فلا ينفعه إمساكه مادام قد أكل أو شرب أو أتى مفطرا في أول النهار." انتهى من" فتاوى نور على الدرب" (11/ 2، بترقيم الشاملة)
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (218362) ورقم (21819) رقم (21775) ورقم (303756) ورقم (21787).
والله أعلم.
تعليق