الحمد لله.
فإن الله تعالى يقول ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) النساء/ 128 .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) رواه مسلم ( 2594 ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ) رواه مسلم ( 2558 ) .
تسفُّهم الملّ : المل : الرماد ، والمعنى : كأنك تطعمهم الرماد .
فهذه النصوص تحثنا على تغليب جانب البر والمعاملة بالحسنى ، وأن للإنسان أن يعامل مَن عاقبه بالمثل ، لكن الصبر واحتمال الأذى أفضل عند الله وأكبر ، قال تعالى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/ 126 .
والجدة لها رحم مع حفيدتها ،
وتحن إلى رؤيتها كما تحن الأم إلى رؤية ابنها ، فحرمانها هذا الحق من غير مانع قوي
جرم عظيم ، فإذا لمستِ منها هذا القلب الرحيم فلا تمنعيها حقًّا شرعه الله لها ،
فهذا حق لها .
ويضاف إلى ذلك أن احترام الجدة وإعطاءها حقها هو من البر بالزوج ، ومن إفراح قلبه ،
ومن عشرته بالمعروف ، ولا تدرين لعلك إن أحسنتِ إليها ذكرتك بخير عند زوجك ، فرجع
التصافي بينك وبين الزوج ، والواقع يشهد بأن أم الزوج أو الزوجة تكون سبب سعادة إن
أحسنت التصرف ، وسبب شقاوة إن أساءت في المعاملة ، فتنبَّهي لهذا ابتداء .
ولا بأس بمداراتها ، بل
وبالتملق لها ، واحتضانها ، وتقبيل رأسها ، احتراماً وتقديراً ؛ فلعل هذا أن يزيل
ما حل في قلبها عليك من البغضاء .
وإن بعض كبار السن يصعب مزاجه مع الكبَر ، ويغضب لأي سبب ، فاحتملي الأذى قربة لله
، خاصة وأنها مطلقة ، وزوجها عندك وهو المتكفل بالعناية بك وبابنتك ، فقد يكون هذا
مما يزيدها غضباً ، فتجعل من ابنتك سبباً للمشكلات ، وربما يكون سبب المشكلة
الحقيقي هو وجودك مع الذي طلقها ، وفي رعايته ، وهو الجد .
ولا يعني هذا تقديم حقها
عليك ، ولكن الكلام السابق من باب المعاملة بالتي هي أحسن ، فأنت أم ابنتك ، وحقك
في الرعاية والعناية مقدم على الجدة .
وأما الجواب التفصيلي لأسئلتك :
1. هل أمنعها من رؤية ابنتي ؟ .
الجواب : لا يجوز منعها ، إلا إذا خشيتِ الضرر على ابنتك منها ، وحتى تكوني بعيدة
عن الإثم والخوف : يمكنكِ أن تجعليها ترى ابنتك أمام عينك ، فتزوريها ، وتسلمي
عليها ساعة ، ثم تنصرفين راشدة إلى بيتك ، ومعك ابنتك ، أو تجتمعين معها في بيت أحد
المقربين منكما ويكون موضع تواصل بينكما .
2. هل أمنعها من رؤية ابنتي في حضرة الزوج ؟ .
الجواب : كذلك لا يجوز إلا خوف الضرر ، ومنعها في هذه الحالة أشد من السابقة ، ومن
المستبعد أن تكِيد الجدة لابنتك في حضور زوجك ؛ فإن زوجك يخشى على ابنته كما تخشين
، والقرار في ذلك يكون بيد زوجك ؛ فاحذري غضبه عليك ، وإذا رأيتِ أن المصلحة في
المنع فاكشفي للزوج سبب منعك حتى يكون عوناً لك .
وهنا أمر يجب التنبيه عليه :
احرصي على بيان ما يحصل مع الجدة للزوج ، وأوضحي له ما يكون بينكم من المشكلات حتى
يلُم الشملَ ويفُض النزاعَ ؛ فإن كلامه أقرب إلى الجدة من كلامك ، وكلامه مصدق
لديها ، فليحاول بلطف ولين أن يبين لأمه حسن مقصدك ، وأنك تحبينها وتجعلينها بمقام
والدتك ، وأنه لا يحسن بها أن تتصرف معك هذا التصرف ، وأنت لها كابنتها في المقام ،
وزوجة لابنها في الحقيقة .
3. وأما ما مقدار المدة التي يحق لك أن تمنعيها من رؤية ابنتك ؟ .
فالجواب عنه : أن عرف الناس هو المرجع في ذلك ، والناس يتفاوتون في تقدير ذلك ؛ فقد
تكون زيارة كل شهر كافية عند قوم ، وقطيعة عند آخرين . وبعض الناس يرى كثرة الزيارة
برا وصلة ، وبعضهم يرى ذلك فتحا لباب المشكلات . فينبغي النظر إلى أعراف الناس ،
وعاداتهم ، وقبل كل ذلك : إلى ظروف كل حالة ، وطبيعة الأطراف المتعلقة بها .
4. وأما ما حقوق الجدات على أحفادهن ؟
فالجواب : هو الاحترام والتقدير ، والبر والصلة ، بكل ما يراه الناس احتراما وبرا
وصلة ؛ وتلمُّس حاجاتها ، وخدمتها ، والاستماع إلى حديثها وعدم إغضابها .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا
وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا ) رواه الترمذي ( 1920 ) وصححه الألباني في " صحيح
الترمذي " .
فكيف إذا كان هذا الكبير جدة ؟! بل إن الجدة والجد يأخذان كثيراً من أحكام الوالدين
في وجوب البر والصلة وغير ذلك من أحكام الشرع وآدابه .
وينظر جواب السؤال رقم ( 111892 ) .
وأما ما تسمعين به من
الانتقاص والدعاء عليك : فاحتسبي الأجر عند الله ، وادعي لها بالهداية والصلاح ولا
تعامليها بالمثل ؛ قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ
صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ
مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ ) .
سورة فصلت/34-36
والله أعلم
تعليق