الحمد لله.
أولا :
لا يجوز للشركة أن تبيع برامجها لمن يستعملها في المعصية كالبنوك الربوية وشركات التأمين التجاري ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والمعصية .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/ 213) : " ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز .
فمن أمثلته عند المالكية : بيع الأمة لأهل الفساد , والأرض لتتخذ كنيسة أو خمارة , وبيع الخشب لمن يتخذه صليبا , والنحاس لمن يتخذه ناقوسا ، قال الدسوقي : وكذا يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب , من سلاح أو كراع أو سرج , وكل ما يتقوون به في الحرب , من نحاس أو خباء أو ماعون ...
ومن أمثلته عند الشافعية : بيع مخدر لمن يظن أنه يتعاطاه على وجه محرم , وخشب لمن يتخذه آلة لهو , وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة ، وكذا بيع سلاح لنحو باغ وقاطع طريق , ...
ومن أمثلته عند الحنابلة : بيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار وأشباه ذلك , فهذا حرام " انتهى .
فالبنوك الربوية وشركات التأمين التجاري لا يجوز أن يباع لها برامج محاسبية ، أو أجهزة ، أو غير ذك مما تستعين به على الربا أو الغرر .
ثانيا :
أما عمل المبرمج لدى هذه الشركة : فإن كان ما يبرمجه يباع للبنوك وغيرها ، وليس مخصصا للبنك الربوي ، وكان الغالب بيعه على جهات لا تستعمله في الحرام ، جاز عمله في البرمجة .
وقد سئل الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله عن العمل في شركة تنتج " أجهزة كمبيوتر ضخمة وبرامج عالية القدرة ، أغلب المستفيدين من منتجات هذه الشركة هي مراكز بالغة الحساسية في بلدنا الإسلامي كالوزارات ، والجامعات ، والمستشفيات ، والشركات المحلية الكبرى ، والتي تتجاوز رؤوس أموالها مئات الملايين من الدولارات ، المشكلة تكمن في أن هذه الأجهزة وهذه البرامج تستفيد منها البنوك الربوية في هذا البلد ، والعمل في هذه الشركة لا يقتصر على البيع فقط ، بل تشمل خدمات ما بعد البيع من أعمال الصيانة والمتابعة ، وهناك أعمال كثيرة تتطلب الذهاب إلى هذه البنوك ، ومقابلة المسؤولين ، وأداء كثير من الأعمال في البنك نفسه وإصلاح الأعطال .
فأجاب : حكم العمل في هذه الشركة لا يختلف عن حكم العمل في سائر الشركات التي قد يكون جزء من المستفيدين من خدماتها جهات معصية ، فشركة الكهرباء والاتصالات ونحوها يرد على العمل فيها نظير المحاذير التي أوردتها في سؤالك ، والذي أراه أنه يجوز العمل في هذه الشركات بالضوابط الآتية:
1- إذا كان أصل نشاط الشركة محرماً - كالبنوك الربوية وشركات التأمين التجاري ونحو ذلك -، فهذه يحرم العمل فيها مطلقاً، ولو كان الشخص في وظيفة لا علاقة لها بالعمل المحرم نفسه ، لأن عمله في الشركة فيه إعانة على المعصية، أما إذا كان المقصود من نشاط الشركة مباحاً ، لكنها قد تزاول بعض الأنشطة المحرمة ، ككثير من الشركات التجارية والصناعية والمطاعم ونحوها، فهذه يجوز العمل فيها من حيث الأصل، ولو كان بعض نشاطها محرما بالضوابط الآتية.
2- ألا يكون المنتج الذي تقدمه الشركة مخصصاً لأمر محرم، أو يغلب استعماله فيه، أما إذا كان يصلح له ولغيره فلا بأس، فمثلاً لو كان البرنامج الذي تنتجه الشركة خاصاً بطريقة حساب الفائدة في البنوك فيحرم، أما لو كان برنامجاً لشئون الموظفين قد يستفيد منه بنك ، وقد تستفيد منه جهات أخرى فلا بأس بتصميمه.
3- ألا يباشر الموظفُ العملَ المحرمَ بنفسه ، فتقديم الخدمات وإجراء أعمال الصيانة للبنوك الربوية مثلاً عمل محرم ، أياً كان نوع الخدمة أو الصيانة المقدمة ؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم، فيحرم على الإنسان أن يباشر ذلك العمل بنفسه ، أما إذا كان عمله في الشركة لا يستلزم مباشرته بنفسه للعمل المحرم فلا حرج عليه -إن شاء الله- في البقاء فيها.
وعلى هذا فإذا لم يغلب على ظنك أن العمل في الشركة يستلزم مباشرة عمل محرم ، لندرة ذلك، أو لأن بمقدورك الامتناع فيما لو أسند إليك شيء منه ، فلا حرج عليك في الانتقال إليها.
والله أعلم . " انتهى.
ثالثا :
ينبني على ما تقدم في الفقرة الأولى ، الحكم على أسهم الشركة ، فحيث كان من موارد الشركة أموال محرمة ناتجة عن بيعها البرامج للبنوك الربوية وشركات التأمين ، فهذه الأسهم تعتبر أسهما مختلطة ، أي اختلط فيها الحلال بالحرام ؛ لأن السهم حصة شائعة في مال الشركة ، فيدخل فيه ما تملكه من نقود وأصول وأنشطة .
والأسهم المختلطة يحرم الاتجار بها على الراجح ، ومن ملك منها شيئا لزمه الخروج منها ، مع التخلص من نسبة الحرام .
وينظر : سؤال رقم (161741) .
فلو منحتك الشركة أسهما مختلطة ، لزمك بيعها والتخلص من القدر الذي يقابل الحرام في أموالها ، ويعرف ذلك بمعرفة نسبة الأموال المحرمة إلى أموال الشركة .
وليس لك قبول هذه الأسهم المختلطة كأجرة على عملك ؛ لأن من شرط الأجرة أن تكون مباحة.
والحاصل : أنه يجوز لك العمل في هذه الشركة وفق الضوابط المذكورة ، وأن الأجرة يجب أن تكون مباحة ، فلا يجوز أن تكون أسهما مختلطة .
والله أعلم .
تعليق