الحمد لله.
أولاً : الأخوة الحقيقية التي توجب الولاء والمحبة والنصرة هي أخوة الإيمان والدين فقط ، وهذه لا تكون إلا بين المسلم والمسلم ، بخلاف أخوة النسب التي قد تكون بين المسلم والكافر .
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات/10 .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : " هذه الأخوة التي أثبت الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة للمؤمنين بعضهم لبعض هي أخوة الدين لا النسب " انتهى من " أضواء البيان " (7/417) .
وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ) .
أخرجه البخاري (2442) ومسلم (2580) .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (2/70) :
" يحرم اتخاذ المسيحيين إخوانًا ، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، وقال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فحصر سبحانه الأخوة الحقيقية في المؤمنين ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ) الحديث.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه
الله : " الكافر ليس أخًا للمسلم والله سبحانه يقول: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم ) .
فليس الكافر : يهوديًا أو نصرانيًا أو وثنيًا أو مجوسيًا أو شيوعيًا أو غيرهم أخًا
للمسلم ، ولا يجوز اتخاذه صاحبًا وصديقا ، لكن إذا أكل معه بعض الأحيان من غير أن
يتخذه صاحبا أو صديقا ، إنما قد يقع ذلك في وليمة عامة أو وليمة عارضة فلا حرج في
ذلك ، أما اتخاذه صاحبا وجليسا وأكيلا فلا يجوز ؛ لأن الله قطع بين المسلمين وبين
الكفار الموالاة والمحبة ، قال سبحانه في كتابه العظيم : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ
إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ
وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى
تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) ، وقال سبحانه: ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ ..) الآية .
فالواجب على المسلم البراءة من أهل الشرك وبغضهم في الله ، ولكن لا يؤذيهم ولا
يضرهم ، ولا يتعدى عليهم بغير حق إذا لم يكونوا حربا لنا ، لكن لا يتخذهم أصحابا
ولا إخوانا ومتى صادف أنه أكل معهم في وليمة عامة ، أو طعام عارض ، من غير صحبة ولا
موالاة ولا مودة فلا بأس ، ويجب على المسلم أن يعامل الكفار إذا لم يكونوا حربا
للمسلمين معاملة إسلامية ، بأداء الأمانة ، وعدم الغش والخيانة والكذب ، وإذا جرى
بينه وبينهم نزاع جادلهم بالتي هي أحسن وأنصفهم في الخصومة عملا بقوله تعالى: (
وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) ، ويشرع للمسلم دعوتهم إلى الخير ونصيحتهم والصبر على ذلك مع
حسن الجوار وطيب الكلام لقول الله عز وجل: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
) وقوله سبحانه: ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة "
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .
ثانيًا : يجوز إثبات الأخوة بين المسلم والكافر إن كانت أخوة في المجانسة والنسب
ولو كان النسب بعيدًا .
قال الله تعالى : ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) الأعراف/65 .
قال القرطبي في تفسيره (7/235) : " قال ابن عباس : أي ابن أبيهم، وقيل: أخاهم من
القبيلة ، وقيل : أي بشراً من بني أبيهم آدم " انتهى .
وقال أيضًا (9/50) : " وقيل له أخوهم لأنه منهم ، وكانت القبيلة تجمعهم ؛ كما تقول
يا أخا تميم .. " انتهى .
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى : ( إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا
تَتَّقُونَ ) الشعراء/106 :
" أي ابن أبيهم وهي أخوة نسب لا أخوة دين ، وقيل هي أخوة المجانسة " انتهى من "
تفسير الجامع لأحكام القرآن " (13/119) .
ثالثًا : ينبغي التنبه إلى أن إطلاق لفظ أخوة النسب بين المسلمين والكافرين إن كان
موهمًا بمشاركتهم في باطلهم ، أو محبتهم وعدم البراءة منهم ، فينبغي تركه وعدم ذكره
؛ صيانة للدين وحفظًا لسلامة المعتقد وسدًا لذريعة الوقوع في موالاة الكافرين .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقول الله تعالى : ( كَذَّبَ أَصْحَابُ
الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ )
الشعراء/176-177 :
"هؤلاء -أعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح ، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم
[ نسيبا فيهم ، من أشرافهم ] ، وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب ؛ لأنهم نسبوا إلى
عبادة الأيكة ، وهي شجرة ، وقيل : شجر ملتف كالغَيضة ، كانوا يعبدونها ؛ فلهذا لما
قال: ( كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) ، لم يقل : (إذ قال لهم
أخوهم شعيب) ، وإنما قال : ( إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ) ، فقطع نسبة الأخوة
بينهم ؛ للمعنى الذي نسبوا إليه ، وإن كان أخاهم نسبًا " انتهى من تفسير ابن كثير
(3/552) .
والخلاصة : أن الأصل في
الأخوة أن تكون إيمانية شرعية بين المسلمين بعضهم بعضًا ، وأن الكافر ليس أخًا
للمسلم من هذه الحيثية .
وأما أخوة النسب ، أو البلد ، أو نحو ذلك : فلا حرج في إثباتها بين المسلم والكافر.
والله أعلم .
تعليق