الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

أقسام الخطاب الموجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن

181195

تاريخ النشر : 08-07-2012

المشاهدات : 63582

السؤال


لي سؤال حول ترجمة القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ، لماذا في ترجمات القرآن للغة الإنجليزية نقرأ كثيراً ( قل " يا محمد صلى الله عليه وسلم " ) ؟ على سبيل المثال : قوله عز وجل ( قل لله المشرق والمغرب ) فلقد ترجمت ( قل " يا محمد صلى الله عليه وسلم " لله المشرق والمغرب ) ، السؤال : هل الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم أم لنا ؟ أم للرسول صلى الله عليه وسلم ولنا ؟ أم أن هذه مشكلة الترجمة ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
الترجمة التي نقلتَها في معنى الآية صحيحة لا غبار عليها ؛ لأن الخطاب بلفظ ( قُل ) موجه للنبي صلى الله عليه وسلم لا غير ، يلقِّنه ربه تعالى حجته على خصمه ويأمره فيها بتبليغ وحيه ، وهو توكيد على أنه لا دخل للنبي صلى الله عليه وسلم في صياغة اللفظ القرآني بل هو متبع للوحي يبلغه كما أمره به ربُّه تعالى ، روى البخاري - ( 4692 ) - عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : سَأَلْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : قِيلَ لِي فَقُلْتُ .
قال أبيّ : فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " .
قال الدكتور صبحي الصالح – رحمه الله - : " ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) الكهف/ 110 ، ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) الأعراف/ 188 ، ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) الأنعام/ 50 .
ولتصدير الآيات السابقة بعبارة ( قُل ) مغزى لطيف يفهمه العربي بالسليقة وهو توجيه الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه ما ينبغي أن يقول , فهو لا ينطق عن هواه بل يتبع ما يوحى إليه ، ولذلك تكررت عبارة ( قُل ) أكثر من ثلاثمائة مرة في القرآن ؛ ليكون القارئ على ذكر من أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا دخل له في الوحي فلا يصوغه بلفظه ولا يلقيه بكلامه وإنما يلقى إليه الخطاب إلقاء فهو مخاطَب لا متكلِّم , حاكٍ ما يسمعه ، لا معبر عن شي يجول في نفسه " انتهى من " مباحث في علوم القرآن " ( ص 29 ) .
وهو الذي جرى عليه المفسرون في تفسيرهم للآيات المصدَّرة بلفظة ( قُل ) ، وهذه أمثلة منه :
1. في قوله تعالى : ( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) البقرة/ 142.
قال الإمام الطبري – رحمه الله - : " يعني بذلك عز وجل : قُلْ يا محمد - لهؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك : ما ولاكم عن قبلتكم من بيت المقدس التي كنتم على التوجُّه إليها إلى التوجُّه إلى شطر المسجد الحرام - : لله مُلك المشرق والمغرب " .
انتهى من " تفسير الطبري " ( 3 / 140 ) .
2. وفي قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) المائدة / 68.
قال ابن كثير – رحمه الله - : " يقول تعالى : قل يا محمد ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) أي : من الدين " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 3 / 155 ) .
3. وفي قوله تعالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) الكهف/ 103 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " أي : قل يا محمد للناس - على وجه التحذير والإنذار - : هل أخبركم بأخسر الناس أعمالاً على الإطلاق " .
انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 487 ) .

 

ثانياً:
وأما من حيث المعنى والدلالة فإن الخطاب الموجَّه للنبي صلى الله عليه وسلم سواء كان بلفظ ( قُل ) أو بغيره فهو على أقسام :
أ. فمنه ما هو خاص به لا يشاركه أحد ، ومن أمثلته :
1. قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) الأعراف/ 158 .
2. وقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) الكهف/ 110
ب. ومنه ما يكون عامّاً له ولغيره فيدخل في الخطاب غيره – صلى الله عليه وسلم - لما في الآية من توجيه في محاجة الخصوم أو لما فيها من تكاليف مشتركة ، ومن أمثلته :
1. وفي قوله تعالى : ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) البقرة/ 91 .
قال أبو حيان الأندلسي – رحمه الله - : " ( قُلْ ) أي : قل يا محمد ، وقل يا مَن يريد جدالهم ( فَلِمَ ) الفاء : جواب شرط مقدر ، التقدير : إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم ( تَقْتُلُونَ أَنبِيَآءَ اللَّه ) " انتهى من " تفسير البحر المحيط " ( 1 / 263 ) .
2. وفي قوله تعالى : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ) الآية آل عمران/ 84 .
قال ابن عطية الأندلسي – رحمه الله - : " المعنى : قُل يا محمَّد أنت وأمَّتك ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ) " انتهى من " المحرر الوجيز " ( 1 / 485 ) .
ج. وثالث يكون الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه دليل على خصوصيته ولا عمومه فيكون خاصّاً في لفظه عامّاً في حكمه ، ومن أمثلته :
1. قوله تعالى : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ) الزمر/ 11 .
2. وقوله تعالى :( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ) الفلق/ 1 .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " والخطاب الموجَّه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يقوم الدليل على أنه خاص به ، فيختص به .
القسم الثاني : أن يقوم الدليل على أنه عام ، فيعم .
القسم الثالث : أن لا يدل دليل على هذا ولا على هذا فيكون خاصًّا به لفظاً عامًّا له وللأمة حكماً .
مثال الأول : قوله تبارك وتعالى ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ) الشرح/ 1 ، 2 ، ومثاله أيضاً قوله تعالى ( وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ) النساء/ 79 ، فإن هذا من المعلوم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومثال الثاني الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام وفيه قرينة تدل على العموم : قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الطلاق/ 1 ، فوجَّه الخطاب أولاً للرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) ولم يقل " يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم " قال : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ) ، ولم يقل " يا أيها النبي إذا طلقتَ " ، قال : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ) فدل هذا على أن الخطاب الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام موجه له وللأمة .
وأما أمثلة الثالث : فهي كثيرة جدّاً يوجِّه الله الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام والمراد الخطاب له لفظاً وللعموم حكماً " انتهى من " تفسير القرآن / جزء عمَّ " ( ص 160 ، 161 ) .

 

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب