السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

حكم تطوع التاجر بضمان حد أدنى من الربح في عقد المضاربة

184918

تاريخ النشر : 21-10-2014

المشاهدات : 12204

السؤال


عندي مبلغ من المال ، وضعته عند تاجر ليعطيني نسبة معلومة من الربح شهريا ، وأتحمل الخسارة إن وقعت . وطريقته كما يلي : إن نقص ربح الألف عن عشرين دينارا شهريا يكمل من ربحه هو إلى هذا الحد ، ويزعم أن فعله هذا حلال ؛ لأنه تبرع منه بدون شرط ، ولكن أشكل علي أن استمراره على ذلك يجعله معروفا ، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا ، وأنه يدفعه إلى ذلك خشية سحب الناس أموالهم من عنده إذا قل الربح ، فاشتبه علي الأمر .

الجواب

الحمد لله.

تحديد حد أدنى من الربح يدفعه المضاربُ لصاحب المال له ثلاث صور : 

الصورة الأولى : أن يتم ذلك بناء على شرطٍ تم الاتفاق عليه عند التعاقد ، أو وفق التزامٍ من التاجر " المضارب " لأصحاب الأموال عند دفعهم أموالهم .

فقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة : على منع هذا الشرط وحرمته ، وأنه يؤول بالعقد إلى البطلان والفساد .

قال ابن المنذر رحمه الله : " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القِراض [ وهو عقد المضاربة ] إذا شَرط أحدُهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة " ينظر " المغني " لابن قدامة (5/28) .

وقد سبق التوسع في تقرير ذلك في إجابة السؤال رقم : (65689) .

ومثله في الحكم : ما لو كان أمراً متعارفاً عليه ؛ لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً ، أو أعلن المضاربُ سلفاً استعداده بالتطوع بذلك بحيث تواطآ على ذلك قبل العقد ، ولكن لم ينص عليه في العقد إبقاءً على صورة التطوع .

ففي كل هذه الحالات : لا تجوز هذه المعاملة .

قال الشيخ يوسف الشبيلي حفظه الله : " تطوع المضارب بالضمان ... يكون محرماً إذا كان مشروطاً في العقد أو متعارفا عليه أو أعلن البنك أمام المستثمرين قبل العقد تبرعه بذلك " انتهى من " الخدمات الاستثمارية في المصارف " (2/139) .

الصورة الثانية : أن يتطوع التاجر المضارب نفسُه بضمان حدٍّ أدنى من الربح بعد العقد وقبل حلول الخسارة ، من غير اشتراط مسبق في صلب العقد ، ولكن يخبر المضاربُ صاحبَ المال بذلك بهدف تشجيع صاحب المال على إبقاء رأس المال بيده .

وهذه الصورة وإن كان حكي فيها قول لبعض المالكية بجوازها ، إلا أن أكثرهم على تحريمها .

جاء في " مواهب الجليل " (5/360) : " لَوْ تَطَوَّعَ الْعَامِلُ [ أي المضارب ] بِضَمَانِ الْمَالِ ، فَفِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ خِلَافٌ بَيْن الشُّيُوخِ ، فَذَهَبَ ابْنِ عَتَّابٍ إلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ ، وَحَكَى إجَازَتَهُ عَنْ شَيْخِهِ مُطَرِّفٍ ابْنُ بَشِيرٍ .

وَقَالَ غَيْرُهُمَا : لَا يَجُوزُ ، وَمَال إلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ " انتهى .

وجاء في " شرح الزرقاني " (6/323) : " كلامهم يفيد أن القولين متساويان ، وليس كذلك ، بل القول بالمنع هو الظاهر نقلاً ومعنى " .

ثم قال : " لا يتصور التطوع الحقيقي قبل شغل المال أو بعده وبعد نضوضه ، لأن العقد غير لازم .. ولاحتمال أن يكون تبرعه بعد الشروع بالضمان إنما هو لأجل أن يبقى المال بيده بعد نضوضه " انتهى .

وعلى هذا ، فالأقرب منع تطوع العامل بضمان حد أدنى من الربح ولو كان ذلك بعد العقد ؛ لأنه متهم برغبته باستدراج رب المال لإبقاء رأس المال بيده .

وقد سألنا شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى عن هذه الصورة ، فأفتى بالمنع ، وقال : " هذا ليس تبرعاً ؛ لأن هدفه ليس الإحسان ، بل جذب رؤوس الأموال " انتهى كلامه .

الصورة الثالثة : أن يتطوع العامل بضمان قدر من الخسارة الحاصلة بعد وقوعها وانقضاء العمل والشراكة : فهذا لا بأس به ، ما دام الضمان غير مشروط لا نصاً ولا عرفاً ؛ لأنها في هذه الحال محض تبرع من العامل .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب