السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

رد شبهة المحرفين لكتاب الله حول تأديب النساء بالضرب .

185240

تاريخ النشر : 07-11-2012

المشاهدات : 340718

السؤال


يتناقل عدد من النساء هذه الرسالة التي انتشرت للأسف سواء عبر الواتس أب ، أو عبر المنتديات ، وأرجو أن أجد عندكم الجواب الشافي الذي يدحض هذه الشبهة ، ويكون مرجعا لي في الرد عليهم جزاكم الله خيرا ، والرسالة تقول : هل القرآن يأمر بضرب النساء؟ عندما تقرأ تفاسير القرآن فإنك لا تقرأ كلام الله , بل تقرأ آراء المفسرين وهي رهن بالمستوى المعرفي للمفسِّر ومدى رجاحة عقله , وهي أمور قد لا تسمح باقتناص المعاني الحقيقية للقرآن , فما توفر دائما للمفسر العلمُ ورجاحةُ العقل ولا سيما في العصور الخوالي التي سادها ظلام التخلف , ولم تسلم أمة من الأمم من الجهالة عبر تاريخها ، وتبايُن التفاسير لا يقدح في ثبات النص وقدسيته , إنما يعني اختلاف العقول المنتجة لها كما أسلفنا ، ولا يُلام المفسرون إن أخطأوا , فقد كان عليهم الاجتهاد فاجتهدوا, ولكن ليس علينا التسليم بما انتهوا إليه ، ولا يمكن اقتناص معاني النص ما لم تبحث عنها , فهي لن تسقط عليك كتفاحة نيوتن , بل هي كالكنز المدفون عليك أن تنبش الأرض كي تحصل عليه ، وعليه جاء في القرآن الكريم ما فهمه البعض بأنه حض على ضرب المرأة : ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34 . ولما كانت معاني الفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه , فبتتبع معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب , نرى أنها تعني في غالبها المفارقة ، والمباعدة ، والانفصال والتجاهل , خلافا للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب ) , فمثلا الضرب على الوجه يستخدم له لفظ ( لطم ) , والضرب على القفا ( صفع ) والضرب بقبضة اليد ( وكز) , والضرب بالقدم ( ركل) ، وفي المعاجم : ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد , وضرب عليه الحصار أي عزله عن محيطه ، وضرب عنقه أي فصلها عن جسده ، فالضرب إذن يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل ، والعرب تعرف أن زيادة (الألف) على بعض الأفعال تؤدي إلى تضاد المعني : نحو (ترِب) إذا افتقر و (أترب) إذا استغنى , ومثل ذلك (أضرب) في المكان أي أقام ولم يبرح (عكس المباعدة والسياحة في الأرض) ، اسمع معي :( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى) طه/ 77 , أي افرق لهم بين الماء طريقا ، وقوله تعالى : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) الشعراء /63-67 , أي باعد بين جانبي الماء ، والله يقول : (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ) أي مباعدة و سفر, وقوله تعالى : ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ) المزمل/ 20, وقوله تعالى : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) الحديد/ 13, أي فصل بينهم بسور، وضرب به عُرض الحائط أي أهمله وأعرض عنه احتقارا، وذلك المعني الأخير هو المقصود في الآية المظنون أنها حض على ضرب الزوجة : (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) والآية تحض على الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ,أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد , وإن لم يجدِ ذلك فهو ( الضرب ) بمعنى المباعدة ، والهجران ، والتجاهل , وهو أمر يأخذ به العقلاء من غير المسلمين ، ولاستكمال البحث نلفت النظر إلى بعض مواضع جاءت فيه كلمة ( ضرب) قريبة مما ألفناه من معنى الضرب , وهو في وصف لضرب الملائكة لأهل النار , وهو أمر غيبي يحدث في عالم الغيب ولا نقف على كيفية حدوثه فكل ما يحدث في غيب يوم الحساب إنما ورد في القرآن على نحو تمثيلي (ولا خطر على قلب بشر) , (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ )الأنفال50/, وكقوله تعالى :( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ )محمد/27. وقانا الله شر أن نكون من شهود ضرب الملائكة , آمين . المراجع " لسان العرب " لابن منظور ، "المعجم الوسيط " ، " الصاحبي في فقه اللغة " لابن زكريا ، من كتاب المسكوت عنه في الإسلام (منقول) .

الجواب

الحمد لله.


هذا الكلام الغث ينبئ عن طوية فاسدة وعقيدة خربة ونفس مريضة ، وإذا جعلنا من كلام الله مرتعا لكل جاهل يقول فيه برأيه ويجتهد فيه بسفهه ، وهو مع ذلك يستهجن أقوال أهل العلم بالتفسير ، ويصفها بالجهل والظلام ، وهم الأئمة المرضيون والسادة الراشدون ، إذا فعلنا ذلك فهذا أوان قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رواه البخاري (100) ومسلم (2673) .
وروى الدارمي (143) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَبْضُهُ أَنْ يُذْهَبَ بِأَصْحَابِهِ ، عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ أَوْ يُفْتَقَرُ إِلَى مَا عِنْدَهُ ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ وَعَلَيْكُمْ بالأمْرِ الْعَتِيقِ " .
وتفسير كلام الله هو الرواية عن الله تعالى ؛ كما قال مسروق : " اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله " ، وقال الشعبي : " والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ، ولكنها الرواية عن الله عز وجل " . "تفسير ابن كثير" (1 /13) .
ومن جعل تفسير كلام الله ، والرواية عن الله محل اجتهاده ، وعنوان رجاحة عقله ، فقال في كتاب الله بما بدا له ، وأعرض عن كلام أهل العلم واستهجنه ، فقد ضل سعيه ، وخاب عمله وابتغى في الإسلام سنة الجاهلين .
وقد كان السلف يعظمون القول في التفسير ، ويهاب أحدهم أن يتكلم في كتاب الله بغير علم ، فمن سلك مسلكهم فقد رشد ، ومن رام غير مسلكهم فقد ضل ضلالا مبينا .
وقول هذا الجاهل : " ليس علينا التسليم بما انتهى إليه المفسرون " هو فتح لباب الضلال على مصراعيه ؛ ليخرج الناس من دين الله أفواجا ، كما دخل أسلافهم في دين الله أفواجا .
فالمفسرون هم أهل العلم بالقرآن والسنة العالمون بلغة العرب التي نزل بها القرآن ، الذين أخذوا التفسير عن أسلافهم الذين أخذوه عن أسلافهم حتى أخذه الأسلاف عن الصحابة الذين فيهم نزل القرآن وهم أعلم الناس بتأويله : صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاهدوا معه ، وتعلموا منه ، وقد قال الله عز وجل : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/ 44 .
فمن سلك غير هذا المسلك وطرق غير هذا الطريق فقد انحرف عن الجادة ، وسلك مسلك أهل الأهواء والبدع الذين يحدثون في دين الله ما ليس منه ، ويحرفون الكلم من بعد مواضعه .
وزعم هذا الجاهل أن معاني النصوص كنوز مدفونة ، فعلى الطالب البحث عنها ، فإذا كان البحث عنها في مظانها من كتب أهل العلم فيبحث عن مسائل الفقه في كتب أهل الفقه ، ويبحث عن تفسير القرآن في كتب أئمة التفسير ، ويبحث عن درجة الحديث في كتب أهل الحديث ، فإنه لا شك يجد بغيته ويعلم ما لم يكن يعلم ، أما أن يبحث عن العلم في غير كتب أهله ، ويظن أنه سيعلم عن الله ورسوله ما لا يعلمه أهل العلم المشهود لهم بالمعرفة والفضل فقد ضل ضلالا مبينا ، وذهب يبحث عن الكنوز الربانية في أودية الضلال الشيطانية .

وقول هذا الجاهل المحرف لكلام الله : " ولما كانت معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه , فبتتبع معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب , نرى أنها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل , خلافا للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب ) " فيقال له : ألم يأت الضرب في كتاب الله وفي لغة العرب وفي صحيح السنة وفي كلام أهل العلم بمعناه المعروف ؟! كما في قوله تعالى :
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) الأعراف/ 160 .
وقوله : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ) ص/ 44 .
وقوله : ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) محمد/ 27 .
فلماذا لا تحمل قول الله تعالى : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) النساء/ 34 على هذا المعنى الوارد في كتاب الله ؟! وهو المعروف في السنة وكلام علماء الأمة ؛ وهو المتبادر لأول وهلة ؛ كما روى مسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : ( اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .
فماذا يعني قوله صلى الله عليه وسلم ( فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ ) إلا هذا الضرب المعروف ؟! أم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك لم يكن يعرف معنى الضرب في الآية !! وأنه غاب عنه ما لم يغب عنك وعن أمثالك من الجاهلين الضالين !!
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَة الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) .
رواه أبو داود ( 2142 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ) فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ – يعني نشزن - فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ ) .
رواه أبو داود ( 2146 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال : " نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضَّرْبِ في الْوَجْهِ " . رواه مسلم ( 2116 ) .
وروى أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
ماذا يعني الضرب في هذه الأخبار الصحيحة إلا الضرب المعروف ؟ والذي يكون على معنى التأديب وطلب الاستقامة لا على المعنى الذي تتوهمه أنت وأمثالك من الإهانة والإذلال .
وقول هذا الجاهل في قوله تعالى : ( فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) :
" والآية تحض على الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ,أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد , وإن لم يجدِ ذلك فهو (الضرب) بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل , وهو أمر يأخذ به العقلاء من غير المسلمين ".
لا شك أنه يخالف النصوص التي أوردناها ، بل إنه يخالف معنى الآية ذاته ؛ لأن الآية بدأت بالوعظ ، وثنّت بالهجر ، وثلَّثت بالضرب ، وهذا الجاهل جعل الهجر والضرب شيئا واحدا .
وقوله : " وهو أمر يأخذ به العقلاء من غير المسلمين " يبين ما انطوت عليه نفسه من خبث الطوية وفساد الاعتقاد ؛ حيث جعل مَن سماهم العقلاء من غير المسلمين أهدى سبيلا من المؤمنين الذين يأخذون بهدي خاتم المرسلين .
وقوله في معنى الضرب في قوله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) أنه أمر غيبي لا نقف على كيفية حدوثه ، وأن كل ما يحدث يوم الحساب إنما ورد في القرآن على نحو تمثيلي – قول محرف لكتاب الله سفيه أرعن ، ينتصر لرأيه بالمقالات الفاسدة والآراء الضالة والأقوال التي لا تعرف إلا عن أهل الأهواء والبدع .
فهو يريد أن يجعل كل ما ورد في كتاب الله عن الغيب أمرا تمثيليا لا حقيقة له !!
فكيف إذاً يفهم هذا الضال دخول المؤمنين الجنة وتنعمهم فيها ، ودخول الكافرين النار وعذابهم فيها ؟
كيف يفهم قول الله تعالى : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) التكوير/ 1 – 13
إن هذا هو مذهب اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويبدلون كلام الله ، ويزيلونه عن المراد به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ هَذِهِ أَمْثَالٌ ضُرِبَتْ لِنَفْهَمَ الْمَعَادَ الرُّوحَانِيَّ ، وَهَؤُلَاءِ مِثْلُ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ قَوْلُهُمْ مُؤَلَّفٌ مِنْ قَوْلِ الْمَجُوسِ وَالصَّابِئَةِ وَمِثْلُ الْمُتَفَلْسِفَةِ الصَّابِئَةِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَطَائِفَةٍ مِمَّنْ ضَاهُوهُمْ : مِنْ كَاتِبٍ أَوْ مُتَطَبِّبٍ أَوْ مُتَكَلِّمٍ أَوْ مُتَصَوِّفٍ كَأَصْحَابِ " رَسَائِلِ إخْوَانِ الصَّفَا " وَغَيْرِهِمْ أَوْ مُنَافِقٌ . وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4 /314) .

وقد أمر الله في كتابه بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها ومعاشرتها بالمعروف ، وبين أن لها حقوقا على زوجها كما أن له حقوقا عليها .
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها ، بل جعل خير الناس من يحسن إلى أهله ، فقال : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وإذا نشزت المرأة على زوجها وعصت أمره سلك معها سبيل الوعظ والتذكير ، فإن لم يفد سلك معها سبيل الهجر في المضجع ، فإن لم يفد ضربها ضرب تأديب وتعليم ، لا انتقام وإيذاء ، فليس المقصود إهانتها وإيذاؤها كما يظن هذا الضال وأمثاله ، وإنما المقصود الإصلاح والتقويم ؛ فإن من النساء من لا يقومهن إلا الضرب والتهديد ، ومن لا تحتاج إلى شيء من ذلك فلا سبيل لأحد عليها ، لا الزوج ولا غيره .
وهؤلاء القوم لا يلتفتون إلى الفساد الذي يستشري في البيوت بسبب المعاصي وخلاف أمر الله ورسوله ، فلا ينكرون التبرج ولا العلاقات المحرمة ولا سوء التربية للأولاد وما يؤدي ذلك إليه من الديوثة أو الانحلال الخلقي أو الطلاق أو غير ذلك من الفساد العظيم الذي تعاني منه هذه البيوت التي لا تقوم على شرع الله ، كل ذلك لا يلتفتون إليه ، إنما يلتفتون إلى هذا الإرشاد الرباني بالضرب للتأديب والذي كثيرا ما يمنع حصول الشر ووقوع الفتنة ، فينكرونه بدعوى الحرية والحضارة والتخلص من الأساليب الرجعية في التعاملات الأسرية ، وانظر بعد ذلك إلى ما خلفته تلك الحضارات الزائفة والدعاوى الباطلة من الفتنة والشر والفساد العريض .

راجع لتمام الفائدة جواب السؤال رقم : (147929) ، (150762) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب