الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

جده قسم ماله بين أولاده الذكور وحرم الإناث فما هو الواجب على الورثة ؟

187154

تاريخ النشر : 16-03-2013

المشاهدات : 6076

السؤال


جدي قام بتقسيم ما يملك من أراضى زراعية على أولاده الذكور ، حارماً الإناث وأمهم ، ولم يتردد والدي في قبول هذا ، والإناث كما علمت يسامحنه في ذلك ، والأم قد توفيت . فما الواجب على والدي فعله ؟ وما الواجب على ورثته إذا توفاه الله سبحانه وتعالى ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الواجب على كل مسلم أن يعلم أن قسمة المواريث هي حكم الله في عباده وشرعه لهم ، وحده الذي حده لهم ، وحرم عليهم أن يتجاوزوه إلى غيره من حدود البشر وأهوائهم ؛ قال الله تعالى ـ في سياق بيان أحكام المواريث لعباده : ( آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/11، وقال تعالى أيضا : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/13-14 .
فمن بدل شيئا من أحكام الله لعباده ، أو تحيل على إضاعة بعض الحقوق ، فقد تعدى حدود الله ، وظلم نفسه ، وعرض نفسه لسخط الله وعقابه .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" لا يجوز لأحد من الناس أن يحرم المرأة من ميراثها أو يتحيل في ذلك ؛ لأن الله سبحانه قد أوجب لها الميراث في كتابه الكريم ، وفي سنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام ، وجميع علماء المسلمين على ذلك ، قال الله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) النساء/11 ، وقال في آخر السورة : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النساء/176.
فالواجب على جميع المسلمين العمل بشرع الله في المواريث وغيرها والحذر مما يخالف ذلك ، والإنكار على من أنكر شرع الله ، أو تحيل في مخالفته في حرمان النساء من الميراث أو غير ذلك مما يخالف الشرع المطهر ، وهؤلاء الذين يحرمون النساء من الميراث أو يتحيلون في ذلك مع كونهم خالفوا الشرع المطهر وخالفوا إجماع علماء المسلمين قد تأسوا بأعمال الجاهلية من الكفار في حرمان المرأة من الميراث" انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/221) .

ثانيا :
يشترط في عطيته لأولاده أن يعدل بينهم ، فلا يجوز تفضيل بعضهم على بعض ، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً ؛ لما روى البخاري (2587 ) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : " تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ؟ ) ، قَالَ : لَا ، قَالَ : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ ) فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ " .
ولمسلم (1623) : ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا بَشِيرُ ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ ) ، قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : ( أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ ) قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ) .

قال ابن قدامة رحمه الله : " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يُخْتَصَّ أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خَصَّ بعضَهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها : أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فَضَّل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر ، قال طاوس : لا يجوز ذلك , ولا رغيف محترق ، وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد , وعروة " انتهى من "المغني" (5/ 387) .

وإذا كان الأولاد ذكورا وإناثا ، فإن العدل بينهم أن يعطي الذكر مثل حظ الانثيين ؛ لأنها القسمة التي ارتضاها الله لعباده في الميراث ، وهذا مذهب الحنابلة .

وبناء على ما سبق :
فما قام به جدك عمل غير موافق للشرع ، والواجب على والدك وكل من قَبِل العطية من أعمامك النصح لوالدهم ، وذلك ببيان الحكم الشرعي بالتي هي أحسن ، فلعله يكون جاهلاً حكم ما أقدم عليه ، فيرجع إلى الحق ويقطع تماديه في الظلم .
فإن رجع في عطيته أو سوى بين أولاده ، فهذا هو المطلوب .
وإن أبى : لزم والدك وإخوته الذكور ردَّ العطية لوالدهم ؛ لأنها عطية محرمة لا تملك بالتمليك ؛ لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه السابق ، وفيه " قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ) ، قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) ، قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ " رواه البخاري (2587) ولمسلم (1623) " فَرَدَّ تِلْك الصَّدَقَة " .
قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله ـ عند شرحه لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه :
" الأحكام التي تقع على خلاف الشرع تبطل ، ولا تنفذ ، ولا يعتبر عقدها الصوري ؛ لأنه على خلاف المقتضى الشرعي " انتهى من "تيسير العلام" شرح عمدة الأحكام (2/26) .

فإن توفي جدك قبل الرجوع في عطيته : وجب على والدك وإخوته الذكور ردَّ العطية للتركة ، ثم تقَّسم بين جميع الورثة وفق شريعة الله ؛ لما تقدم من أدلة السنة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لو فرض أنه لم يفعل ثم مات أعني الأب قبل أن يسوى بين الأولاد فهل يطيب لهذا الْمُفَضَّلْ ؟
فالجواب : لا تطيب له ، ويجب عليه أن يردها في التركة ، وأن يرثها الورثة أجمعون " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .

فإن أبوا ، أو أبى بعضهم : فالواجب على الباقين : أن يردوا ما زاد عن نصيبهم الشرعي في الميراث ، ويقسموه على الأخوات اللاتي منعن من حقهن ، وأما ما تبقى من حقهن ، فإنما إثمه ووباله على من أكله بالباطل ؛ لأن هذا هو العدل المستطاع لهم ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب