الحمد لله.
أولا :
دلت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على أن للمسافر أن يفطر في رمضان ، ثم يقضي عدد الأيام التي أفطرها ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 .
ومن كان في بلده ، ثم عزم على السفر ، فلا يسمى مسافرا حتى يفارق عمران بلده ، فلا يحل له أن يأخذ برخص السفر كالفطر والقصر بمجرد نية السفر ، لأن الله تعالى إنما أباح الفطر للمسافر ، ولا يكون مسافرا حتى يفارق بلده .
قال ابن قدامة في "المغني" (4/347) بعد أن ذكر أن من سافر أثناء اليوم فله الفطر ، قال :
" إذا ثبت هذا ؛ فإنه لا يباح له الفطر حتى يُخَلِّف البيوتَ وراء ظهره , يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها ، وقال الحسن : يفطر في بيته , إن شاء , يوم يريد أن يخرج ، وروي نحوه عن عطاء ، قال ابن عبد البر : قول الحسن قول شاذ , وليس الفطرُ لأحدٍ في الحضرِ في نظرٍ ولا أثر ، وقد روي عن الحسن خلافه " .
ثم قال ابن قدامة : " لقول الله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) البقرة/185 ، وهذا شاهد ( أي حاضر لم يسافر) , ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد , ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين , ولذلك لا يقصر الصلاة " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين : عن رجل نوى السفر فأفطر في بيته لجهله ، ثم انطلق ، هل عليه الكفارة ؟
فأجاب : " حرام عليه أن يفطر وهو في بيته ، ولكن لو أفطر قبل مغادرته بيته فعليه القضاء فقط " انتهى من " فتاوى الصيام " (ص 133) .
ثانياً :
من جامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم فعليه كفّارة مغلّظة ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ، ويلزمه التوبة وقضاء اليوم .
والمرأة مثله إذا كانت راضية ، ولا فرق بين أن يُنزل أو لا ينزل ، فحيث حصل الجماع أي الإيلاج وجبت الكفارة .
ثالثاً :
الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل بالحكم ، فمن ترك واجباً وهو لا يعلم أنه واجب ، أو فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم فهذا هو الجاهل الذي يعذر بجهله.
فإنما تعذر في حالتك إذا لم تكن تعلم أن فعلك هذا محرم من أساسه ، أو كنت تظن أن من نوى السفر ، فله أن يفعل ذلك وهو في بيته .
أما من علم أن هذا الفعل محرم ففعله وهو يجهل العقوبة المترتبة عليه ، فهذا لا يعتبر عذراً ، لأن صاحبه أقدم على المعصية وانتهك الحرمة وهو يعلم .
ولذلك فإن الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان ، قد أوجب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه الكفارة ، ولم يعذره بجهله بها ، رواه البخاري ( 1834 ) ومسلم (1111) ، لما كان عامداً عالماً بحرمته – كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 4 / 207 ) - بدليل قوله " هَلَكْتُ " ، وفي رواية " احْتَرَقْتُ " .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -
فإن قال قائل : الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً ؟
فالجواب : هو جاهل بما يجب عليه ، وليس جاهلاً أنه حرام ، ولهذا يقول " هلكت " ، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر ، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم ، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل ، هل هو حرام أو ليس بحرام .... فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام ، هذا عذر" .
انتهى من " الشرح الممتع "(6/417) باختصار .
والحاصل :
أن عليك قضاء هذا اليوم ، وتجب عليك الكفارة ، ما دام إفطارك قد حصل وأنت لم تسافر بعد.
والنصيحة لك أن تحاول صيام الشّهرين المتتابعين في الأيام الباردة أو المعتدلة حيث يقصر النهار وتخفّ المشقة أو في أيام الإجازة السنوية التي يمنحها لك العمل ونحو ذلك من الفُرص التي يمكن أن تُنتهز لأداء ما عليك ، فإن عجزت عن الصّيام حقّا فيجوز لك عند ذلك أن تُطعم ستين مسكينا ، تطعمهم دفعة واحدة ، أو على دفعات حتى تستكمل عددهم .
ويلزم زوجتك الصيام ، فإن لم تستطع أطعمت ستين مسكينا ، وليس عشرة مساكين كما ورد في السؤال .
وينظر جواب السؤال رقم : (106532) .
والله أعلم .
تعليق