الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حكم توصيل الزبائن إلى الحانات ، إذا كان لا يعلم حالهم إلا بعد ركوبهم السيارة.

192190

تاريخ النشر : 26-02-2013

المشاهدات : 45095

السؤال


أعيش في مدينة نيويورك وأعمل سائقاً لسيارة أجرة عامة ، وفي بعض الأحيان قد يركب معي بعض الزبائن ويتوجهون إلى الحانات ، والنوادي ، أو المطاعم التي تقدم الخمر وما حرّم الله ، لكن المشكلة في هذا العمل أنك لا تدري أين وجهة الراكب ، فهو فقط يصعد إلى السيارة ويقول لك مثلاً : خذني إلى الشارع الفلاني ، ولا تدرك أن وجهته مكاناً محرماً إلا بعد أن يطلب منك إنزاله أمام إحدى تلك الحانات ، أو الملاهي .. الخ ، كما أنه لا يمكنك بحال من الأحوال أن تسأله إلى أين سيذهب تحديداً ؛ لأن ذلك نوع من أنواع التطفل الذي لا يقبله أحد . لقد حرصت على أن لا أعمل إلا في النهار حيث يذهب معظم الزبائن لتناول طعام الفطور ، أو الغداء العادي ، وتجنبت العمل في الليل احترازاً من مصادفة مثل أولئك الزبائن ، فغالب من يذهبون إلى الحانات والملاهي لا يذهبون إلا ليلاً ، لكن المشكلة على ما يبدو غير قابلة للحل، فقد يأتي ويصعد السيارة رجل سكران في وضح النهار، ولا يمكنك تمييز أنه سكران إلا من الرائحة المنبعثة منه بعد أن يصعد السيارة ، قد يقول قائل: يمكنك أن تنزله من السيارة ..! لكن الامر ليس بهذه السهولة ، فالقوانين هنا لا تسمح لك بإنزال الراكب من السيارة الأجرة اعتباطاً دون سبب قانوني ، والمعلوم لدى الجميع أن شرب الخمر ليس سبباً قانونياً يتيح لك إنزال الراكب.
وسؤالي : هل يجوز لي البقاء في هذا العمل ؟
أرجو التنبه إلى أانني قد حاولت إيجاد عمل آخر ، ولكني لم أستطع بسبب الظروف الاقتصادية المتردية وندرة الأعمال ، لذا كان العمل كسائق تكسي هو الخيار الأخير بالنسبة لي .

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
الأصل عدم جواز توصيل الزبائن إلى أماكن الخمور والدعارة أو الكنائس وغيرها من الأماكن التي يُعصى فيها الله ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " لا يجوز أن يعان أحد على الفاحشة ولا غيرها من المعاصي ؛ لا بحلية ولا لباس ولا مسكن ولا دابة ولا غير ذلك ؛ لا بِكِرَى ولا بغيره . والله أعلم "
انتهى من " مجموع الفتاوى " (30/195) .
وينظر جواب سؤال رقم (75443) ، ورقم (103789) .

ثانياً:
إن جُهل حال الراكب هل سيذهب إلى مكان المعصية أو غيرها من الأماكن المباحة ، ثم تفاجأت بنزوله عند محلات المعاصي ، فلا شيء عليك ؛ لعدم قصدك في إعانته على المعصية ، ولأنك عقدت معه الإجارة على عقد مباح ، ونزوله : إما انتهاء لعقد الإجارة المباح في أصله ، أو للتخلص منه ، وكلاهما لا حرج فيه على السائق ؛ لكن متى علم منه قصده ، وأمكنه ألا ينزله حيث يطلب في مكان المعصية ، فهو أحسن .
ثالثاً:
إذا تبين لك حال الراكب بعد ركوبه للسيارة ، من خلال رائحته أو لباسه أو ما أشبه ذلك ، فإن كنت تعلم ، أو يغلب على ظنك ، أنه يقصد مكانا محرما ، لم يحل لك أن توصله إليه ، على ما سبق ، بل الواجب عليك أن تتحيل على إنزاله بكل حيلة ممكنة ، ولو بافتعال عطل في سيارتك ، أو نحو ذلك .
فإن كان يترتب على ذلك ضرر كالحبس والضرب ، أو في مالك ، كغرامة تشق عليك ، أو نحو ذلك ؛ فلا يلزمك أن تنزله ، بل أوصله إلى المكان الذي اتفق معك عليه أولا ، وإثمه على نفسه.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فيمن يَبُوسُ (أي : يقَبِّل) الأرض دائما هل يأثم ؟ وفيمن يفعل ذلك لسبب أخذ رزق وهو مكره كذلك ؟
فأجاب : "... وأما إذا أكره الرجل على ذلك بحيث لو لم يفعله لأفضى إلى ضربه أو حبسه أو أخذ ماله أو قطع رزقه الذي يستحقه من بيت المال ونحو ذلك من الضرر، فإنه يجوز عند أكثر العلماء ، فإن الإكراه عند أكثرهم يبيح الفعل المحرم كشرب الخمر ونحوه ، وهو المشهور عن أحمد وغيره ، ولكن عليه مع ذلك أن يكرهه بقلبه ، ويحرص على الامتناع منه بحسب الإمكان ،
ومن علم الله منه الصدق أعانه الله تعالى ، وقد يعافى ببركة صدقه من الأمر بذلك " .
انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1/56) .

وأما إذا لم تعلم ، أو لم يغلب على ظنك أنه ذاهب إلى مكان المعصية ، فلا حرج عليك في توصيله إلى وجهته ؛ لأنه ، وإن كان قد شرب الخمر قبل ركوبه معك ، فإن ذلك لا يعني أنه ذاهب إلى مكان آخر للمعصية ، وكونه عاصيا بشرب الخمر وقت ركوبه معك ، ليس بأشد من كونه كافرا ، ومجرد ركوب الكافر معك ، لا إثم فيه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب