الحمد لله.
فمن غلبه القيء وخرج رغما عنه وهو صائم : فإن صيامه صحيح ولا يبطل بذلك , ودليل ذلك من السنة ما رواه الترمذي (720) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ – أي : غلبه- فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ ) ، صححه الألباني في " صحيح الترمذي " , وقد بينا هذا في الفتوى رقم : (38579) .
أما ما ذكرته من شروعك في قضاء هذه الأيام ، قبل العلم بصحة صومك وعدم لزوم القضاء : فالراجح من أقوال أهل العلم أن من شرع في عبادة يظن أنها عليه ، ثم تبين أنها ليست عليه : فإنه يكون مخيرا بين إتمامها ، والخروج منها . وإتمامها أفضل , خلافا لزفر من الحنفية حيث أوجب عليه القضاء إذا خرج منها, جاء في " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " (2 / 102) من كتب الحنفية : " واختلف أصحابنا في الصوم المظنون إذا أفسده ، بأن شرع في صوم أو صلاة ، على ظن أنه عليه ، ثم تبين أنه ليس عليه ، فأفطر متعمدا ؟
قال أصحابنا الثلاثة: لا قضاء عليه , لكن الأفضل أن يمضي فيه .
وقال زفر: عليه القضاء" انتهى.
وفي " الجوهرة النيرة على مختصر القدوري " (1 / 70) من كتب الحنفية أيضا: " ولو شرع في صلاة أو صوم ، على ظن أنه عليه ، ثم تبين له أنه لا شيء عليه ، فأفسده : لا يلزمه القضاء عندنا ، وقال زفر يلزمه .
ولو افتتح الظهر على ظن أنها عليه ، فاقتدى به رجل بنية التطوع ، ثم ذكر أنه قد صلاها ، فقطعها : فلا قضاء عليه ، ولا على الذي اقتدى به " انتهى.
من هنا نعلم أنك - أيتها السائلة - مخيرة في إتمام هذا الصوم ، أو الخروج منه بالفطر ؛ وإن كان الإتمام أفضل .
مع التنبيه على أن هذا الإتمام إنما يكون بنية النفل .
جاء في " كشف الأسرار شرح أصول البزدوي " (2 / 312): " إذا شرع في صلاة أو صوم على ظن أنه عليه ، فتبين أنه ليس عليه : يصير شارعا في النفل بالاتفاق .
ولو أفسده : لا يجب عليه القضاء ؛ لما ذكرنا أنه مخير في الأداء " انتهى.
وقول زفر بلزوم الإتمام : هو أيضا مذهب المالكية ، وعندهم في وجوب القضاء ، إذا خرج منه عمدا : قولان ، وأما لو خرج ناسيا : فلا قضاء عليه اتفاقا .
ينظر : "مواهب الجليل ، وحاشيته " (2/262) ، "منح الجليل" (2/153) .
أما بخصوص خروج سائل من المعدة إلى المريء أو الفم : فهذا هو ما يعرف بالقلس, وقد سبق بيان حكمه في الصوم مفصلا في الفتوى رقم : (40696) .
والله أعلم .
تعليق