الحمد لله.
الذي نراه وننصح به في مثل هذه الأحوال هو التوسط والاعتدال ، فالقصد مفتاح نجاح العلاقات بين الأفراد والمجتمعات ، وهو أحد أهم وسائل التربية الحديثة ، خاصة في هذا الزمان الذي نعيش فيه انفتاحا كبيرا ، وتقاربا أكثر بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ، فلم يعد المنع والحجر مجديا بقدر ما هو التوسط والاعتدال .
ومن أهم طرائق التوسط في هذا الباب هو تقدير سن البنت ومقدار تأثرها بجدتها ، فإذا كانت سنها صغيرة جدا ، رضيعة أو نحو ذلك ، ولا تكاد تتأثر بأخلاق وأطباع من تجالسهم لأوقات يسيرة ، فحينها تكون قطيعة الجدة عن حفيدتها ليست بذات جدوى ، ولن تعود عليكم إلا بمزيد من القطيعة بينكم وبينها ، وليس ذلك محبذا ، خاصة لابنها المطالب ببرها والإحسان إليها .
أما إذا كانت ابنتكم قد بلغت سن التمييز ، وبدأت في التلقي عمن حولها من الناس ، فمن المخاطرة الظاهرة حينها تسليمها لزيارة جدتها ، أو مجالستها الأوقات الطويلة ، من غير رقيب ولا حفيظ ، فقد تراها على حالها من شرب المسكرات أو الحشيشة ، بل قد يدفعها الفضول إلى تقليد جدتها في هذه المنكرات ، أو على الأقل إلى التساؤل عن مقدار المتعة المتحصلة من شرب هذه الأشياء ، فتنبعث في نفسها نوازع المعصية ، وتبقى في صراع بين نصائح والديها وتدينهم ، وبين ما نشأت على استسهاله لدى جدتها ، وحينها ليس بإمكان أحد أن يضمن استقامة الفتاة على طريق الهداية ، ولا يملك أحد كبح جماح الوساوس والخواطر السيئة ، ونخشى أن يتحمل الوالدان قسطا من وزرها ؛ لأن الولد أمانة في عنق والده ، عليه أن يحفظها ويكلأها بحق الأمانة التي كلفه الله إياها . وقد قال بعض الحكماء " أفضل ما يورِث الآباءُ الأبناءَ ، الثناء الحسن , والأدب النافع , والإخوان الصالحون " ينظر " الأدب الصغير والأدب الكبير " (ص :34 ) .
وفي حال قررتم أن تزور ابنتكم جدتها ، فينبغي أن يكون ذلك بمحضر منك أو من زوجك ، حتى تكونوا آمنين من أي لون من ألوان التأثير على ابنتكم ، وإبعادها عن المكان إذا حصل فيه ضرر أو أذى عليها ، كأن تكون الجدة تدخن بالقرب منها ، أو نحو ذلك .
وجميع ذلك لا يعني - في الوقت نفسه – قطيعة تلك المرأة ، من قبلكم أنتم ، قطيعة تامة ، بل ننصح بالاستمرار في التواصل معها والإحسان إليها ، فالمسلم داعية في جميع أحواله ، ولا ييأس من هداية أحد من البشر ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ : " يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ) رواه مسلم (2558) .
وأيضا فإن الأحفاد مطالبون ببر أجدادهم على وجه العموم ، وإن كان الوالدان أولى وأجدر بذلك ؛ لكن لا ينبغي قطيعة الأجداد أيضا ولو كانا كافرين ، بل لهما حق البر والصلة بقدر قرابتهما . لعموم قول الله عز وجل : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/15.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" الجد والجدة لهما بر ، لكنه لا يساوي بر الأم والأب ؛ لأن الجد والجدة لم يحصل
لهما ما حصل للأم والأب من التعب والرعاية والملاحظة ، فكان برهما واجباً من باب
الصلة ، أما البر فإنه للأم والأب " انتهى من " مكارم الأخلاق " (ص/40) .
والله أعلم .
تعليق