الحمد لله.
أولاً :
سبق الكلام في الموقع أن الرضاع المُحَرِّم هو ما كان خمس رضاعات فأكثر ؛ لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ) رواه مسلم (1452) .
كما سبق في الموقع – أيضاً – ترجيح القول بقبول شهادة امرأة واحدة في إثبات الرضاع ؛ وذلك لما روى البخاري (5105) عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : " تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء ، فقالت أرضعتكما ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تزوجت فلانة بنت فلان ، فجاءتنا امرأة سوداء ، فقالت لي : إني قد أرضعتكما ، وهي كاذبة ، فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه قلت : إنها كاذبة ، قال : ( كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْك ) ".
فينظر في الكلام عن المسألتين السابقتين : جواب السؤال رقم : (804) ، وجواب السؤال رقم : (175250) .
على أننا ننبه هنا إلى أن ما ورد في السؤال عن مذهب الشافعي من اشتراط أربعة شهود : غير دقيق ؛ بل مذهب الشافعية في ذلك أن الرضاع يثبت بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين ، أو أربعة نسوة .
وينظر : " نهاية المحتاج " للرملي (7/185) ، " الموسوعة الفقهية الكويتية " (22/254) .
ثانياً :
نص أهل العلم رحمهم الله : على أن العامي ليس له أن يتخير من المذاهب وأقوال أهل العلم ما يوافق هواه ، من باب الترخص .
قال الشاطبي رحمه الله : " ليس للمقلد أن يتخير في الخلاف ، كما إذا اختلف المجتهدون على قولين ، فوردت كذلك على المقلد ، فقد يعد بعض الناس القولين بالنسبة إليه مخيراً فيهما ، كما يخير في خصال الكفارة ، فيتبع هواه وما يوافق غرضه دون ما يخالفه ، وربما استظهر على ذلك بكلام بعض المفتين المتأخرين ، وقواه بما روى من قوله عليه الصلاة والسلام : ( أصحابي كالنجوم ) ، وقد مر الجواب عنه ، وإن صح ، فهو معمول به فيما إذا ذهب المقلد عفوًا ؛ فاستفتى صحابيا أو غيره فقلده فيما أفتاه به ، فيما له أو عليه ، وأما إذا تعارض عنده قولا مفتيين ، فالحق أن يقال : ليس بداخل تحت ظاهر الحديث ؛ لأن كل واحد منهما متبع لدليل عنده يقتضي ضد ما يقتضيه دليل صاحبه ، فهما صاحبا دليلين متضادين ، فاتباع أحدهما بالهوى اتباع للهوى ، وقد مر ما فيه ؛ فليس إلا الترجيح بالأعلمية وغيرها ، وأيضًا فالمجتهدان بالنسبة إلى العامي ، كالدليلين بالنسبة إلى المجتهد ؛ فكما يجب على المجتهد ، الترجيح أو التوقف ؛ كذلك المقلد ، ولو جاز تحكيم التشهي والأغراض في مثل هذا ؛ لجاز للحاكم وهو باطل بالإجماع .
وأيضاً : فإن في مسائل الخلاف ضابطًا قرآنيًا ينفى اتباع الهوى جملة ، وهو قوله تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول ) النساء : 59 ، وهذا المقلد قد تنازع في مسألته مجتهدان ؛ فوجب ردها إلى الله والرسول ، وهو الرجوع إلى الأدلة الشرعية ، وهو أبعد من متابعة الهوى والشهوة ؛ فاختياره أحد المذهبين بالهوى والشهوة مضاد للرجوع إلى الله والرسول .... .
وأيضاً : فإن ذلك يفضي إلى تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي ، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن ذلك فسق لا يحل " انتهى من " الموافقات " (5/79-82) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إذا جوز للعامي أن يقلد من يشاء ، فالذي يدل عليه كلام أصحابنا وغيرهم أنه لا يجوز له تتبع الرخص مطلقاً " .
انتهى من " المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام " (2/258) .
فعلى هذا ، إذا كان قد حصل منكما رضاع من تلك المرأة ، وكان ذلك الرضاع خمس رضاعات فأكثر ، فأنتما أخوان من الرضاع ، لا يجوز لكما الزواج ، ويكفي في ثبوت وقوع ذلك الرضاع شهادة امرأة واحدة ، على القول الراجح .
وأما ما ذكرت من حبك لهذه الفتاة ، فليس بهذا تنتهك حرمات الله ، ولا تتبع رخص الناس ، وأقوال المفتين ، بل هذا يقطع عنك بطلب الحلال من غيرها ، وعند سواها مثل ما عندها من أمر النساء ، فلا يستهوينك الشيطان بذلك .
والله أعلم .
تعليق