الحمد لله.
أولاً :
إتلاف الأموال والممتلكات المحترمة ، وما فيه منفعة للناس ، سواء كانت ملكيته خاصة أو عامة : هو نوع من الفساد الذي تأباه الفطر السليمة ، ويحرمه الشرع الحنيف ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) البقرة/60 ، وقال تعالى : ( وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) الشعراء/183 .
ثانياً :
المتلفات من حيث الضمان وعدمه قسمان :
القسم الأول : ما فيه الضمان ، وهو أن يتلف الإنسان شيئاً محترماً يجوز استعماله
شرعاً ، كالأواني والسيارات والنوافذ وغير ذلك من الأشياء ، التي لم يأت الشرع
بتحريم استعمالها ، فإتلاف هذا النوع من الأشياء فيه الضمان .
القسم الثاني : ما لا ضمان فيه ، وهو إتلاف ما لا يباح استعماله شرعاً ، كآلات
المعازف ، والخمر ، والصليب ، فهذه لا ضمان على من أتلفها ؛ لأنه لا حرمة ولا قيمة
لها شرعاً .
قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله :
"ومن أتلف مالا محترما لغيره بغير إذنه ضمنه ; لأنه فوّته عليه فوجب عليه ضمانه ،
وغير المحترم ، كآلات لهو ، وآنية خمر ، وآنية ذهب وفضة ، وصليب وصنم ونحوها لا
يضمنه متلفه ؛ لعدم احترامه " انتهى بتصرف من " كشاف القناع " (4/117) .
وعليه : فيلزمك ضمان ما أتلفته من ميكروفونات وزجاج النوافذ وصنابير المياه ؛
لأنها أشياء يجوز استعمالها شرعاً ، وأما آلات المعازف التي أتلفتها ، فلا ضمان
عليك فيها ؛ لأنها غير محترمة شرعاً .
ثالثاً :
يشترط لصحة التوبة في حق من حقوق الناس : أن يرد الإنسان ذلك الحق إلى أصحابه ، أو
أن يتحلل منهم – أي : يطلب منهم المسامحة – في رد ذلك الحق .
ولا فرق في الحكم بين أن تكون تلك الجهة التي وقع عليها الظلم ، جهة خاصة أو جهة
حكومية ، فكلها يجب رد المظلمة عليها ، بل الخطر في الجهات العامة أشد ؛ فإن الحق
الشخصي يمكن التحلل من صاحبه ، وأما هذه فليس لها صاحب معين يمكن التحلل منه .
فإذا أتلف الشخص شيئاً معيناً في أي دائرة حكومية ، فإنه يضمن ذلك الشيء المتلف
لتلك الجهة التي حصل فيها الإتلاف ، فإن تعذر الوصول إلى تلك الجهة ؛ لكونها غير
موجودة الآن ، فإن الضمان يصرف في مدرسة حكومية أخرى مثلها ، فإن تعذر ذلك أيضاً :
صرف في مصالح المسلمين العامة ، كإصلاح الطرقات ، وبناء المدارس ، ونحو ذلك مما
ينتفع به عموم المسلمين .
فإن عجز الإنسان عن رد تلك الحقوق في الوقت الحالي ، فإنها تبقى في ذمته يردها
متى قدر على ذلك .
ولا يشترط أن يرد جميع ما أتلفه دفعة واحدة ، إلا إذا كان قادرا عليه ، فإن عجز عن
بعضه : وجب عليه رد ما قدر عليه ، وما عجز عنه : بقي في ذمته إلى وقت القدرة .
رابعاً :
الأصل في ضمان المتلفات : أن المثلي يضمن بمثله ، وما ليس بمثلي ، فإنه يضمن
بالقيمة ، وحساب القيمة إنما يكون بيوم التلف .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والقول الراجح أن المثلي ما له مثيل أو
مشابه ، سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو حيواناً أو جماداً أو مصنوعاً أو غير مصنوع
، فكل ما له مثيل أو مشابه فإنه مثلي .
وقاعدة : أن المثلي يُضمن بمثله ؛ لأن مطابقة المثلي لمثله أقوى من مطابقة
القيمة للشيء ، فالقيمة تقدير وتخمين ، والمماثلة مماثلة .
فعلى هذا ، لو أن شخصاً كسر فنجالاً لشخص ، فهل نلزمه أن يأتي بفنجال مثله لصاحب
الفنجال الأول ؟ على المذهب : لا ، بل له قيمة الفنجال ، وعلى القول الراجح يلزمه
أن يأتي بفنجال .
قوله : ( ويضمن غير المثلي بقيمته يوم تلفه ) وذلك لأن غير المثلي تثبت القيمة
من حين الغصب ، فلو تلف هذا الذي ليس بمثلي فقيمته وقت التلف ؛ لأنه قبل التلف لا
يزال ملكا لصاحبه فزيادته ونقصه على صاحبه " .
انتهى بتصرف من " الشرح الممتع " (10/177 – 180) .
والحاصل ، إذا كانت تلك الأشياء المتلفة يمكن توفيرها الآن ، فعليك شراؤها وردها
لتلك المدرسة ، ولا يلزمك إخبارهم بما جرى منك سابقاً ، بل يكفي أن تردها إليهم
بطريقة لا تشق عليك ، ولا تحرجك .
فإن لم توجد تلك المدرسة ، وأمكن صرفها في مدرسة أخرى حكومية ، فهو المطلوب ، فإن
لم يمكن ذلك – أي : توفير المثل – بأن كانت المدرسة التي حصل فيها التلف لا تقبل
الأشياء العينية ، فقدر ثمن تلك الأشياء التي تلفت بسعرها يوم تلفها ، وادفعها لهم
إن قبلوا ، وإلا فاصرفها في مصلحة عامة .
والله أعلم .
تعليق