الحمد لله.
الشكر له سبحانه وتعالى أن هداك للإسلام ، ورزقك عقلا فطنا يبحث ويفتش ويتساءل عن الحق والهدى ، ويبحث عن الطمأنينة واليقين ، كما نشكره سبحانه أن جعلنا سببا لجواب تساؤلاتك ، ومساعدتك بالعقل والإقناع .
وجوابا على سؤالك الجديد نبين لك أنه لا يجب عليك تغيير اسم عائلتك إلى " المسيحي " لسبب واضح ويسير ، وهو أنك غير متثبت من صحته ومصداقيته ، بل غالب الظن أنه اسم مبدَّل عن الاسم الحقيقي ؛ لأن العشائر المسلمة لا تتسمى أبدا باسم " المسيحي "، ورِدَّةُ والدك القديمة عن الإسلام إلى النصرانية لا تجيز له تبديل اسم العائلة ، فذلك من التلاعب المذموم بالأنساب ، يلجأ إليه المتنكرون لأصولهم ، طمعا في عرض من الدنيا قليل ، أو يغري به أهل الأديان والملل والنحل التي انتقل إليها المنتقل ، كي يساعدوا في تكثير سوادهم ، وسلخ المرتد إليهم عن قومه ومعشره كما سلخوه عن دينه ومعتقده ، ليضيع ماضيه فلا يملك إلى الرجوع سبيلا ، ولا يملك أبناؤه من بعده أدنى خيط يصلهم بأصلهم ، وهذه حيلة نعرفها ونعرف الكثيرين ممن قاموا بها ، وللأسف قد نجحت في كثير من الأحيان .
ولهذا فلا يشملك النهي عن الانتساب لغير الأب ، الوارد في حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا : ( وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) رواه البخاري (3508)، فهذه الدعوى المحرمة مقيدة بالعلم والقصد ، أي أن تكون عالما بنسبك الحقيقي ، وقصدت تزييفه وتزويره ، أما في حال عدم العلم به فيكفي أن تنتسب إلى اسم أبيك وجدك من غير ذكر اسم العائلة ، فإن لم تتمكن من تغيير الأوراق في الدوائر الرسمية فلا أقل من الحرص على عدم الانتساب اللفظي إلى عائلة والدتك من جهتك أنت ، ولا حرج عليك حينها أن تبقى أوراقك الثبوتية إن لم تتمكن من تغييرها حتى يستبين لك الشأن .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" فإن قال قائل : ما وجه هذا الحديث ، وقد كان من خيار الناس من ينسب إلى غير أبيه ، كالمقداد بن الأسود الذى نسب إليه ، وإنما هو المقداد بن عمرو ، ومنهم من يدعى إلى غير مولاه الذى أعتقه ، كسالم مولى أبى حذيفة ، وإنما هو مولى امرأة من الأنصار ، وهؤلاء خيار الأمة ؟
قيل : لا يدخل أحد منهم في معنى هذه الأحاديث ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يستنكرون ذلك ، أن يتبنى الرجل منهم غير ابنه الذي خرج من صلبه فنسب إليه ، ولا أن يتولى من أعتقه غيره فينسب ولاؤه إليه ، ولم يزل ذلك أيضًا في أول الإسلام حتى أنزل الله : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم )الأحزاب/ 4، ونزلت ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله )الأحزاب/ 5 الآية ، فنسب كل واحد منهم إلى أبيه ، ومن لم يعرف له أب ولا نسب عرف مولاه الذى أعتقه ، وألحق بولائه عنه ، غير أنه غلب على بعضهم النسب الذى كان يدعى به قبل الإسلام ، فكان المعروف لأحدهم إذا أراد تعريفه بأشهر نسبه عرفه به من غير انتحال المعروف به ، ولا تحول به عن نسبه وأبيه الذي هو أبوه على الحقيقة رغبة عنه ، فلم تلحقهم بذلك نقيصة ، وإنما لعن النبي (صلى الله عليه وسلم) المتبرئ من أبيه والمدعى غير نسبه ، فمن فعل ذلك فقد ركب من الإثم عظيمًا وتحمل من الوزر جسيمًا ، وكذلك المنتمى إلى غير مواليه " .
انتهى من " شرح صحيح البخاري لابن بطال " (8/347-348) . وينظر: " إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري " (9/445) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
" ومعنى ادعى لغير أبيه أي انتسب إليه ، واتخذه أبا . وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وهو يعلم ) : تقييد لابد منه ؛ فإن الإثم إنما يكون في حق العالم بالشيء " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (2/50) .
وعلى كل حال : نحب أن ننبهك إلى أن الصواب في حالتك أنك قد رجعت إلى الإسلام ، فالشريعة الإسلامية لا تعترف بانتقال المسلم عن دينه كما فعل والدك ، لذلك أبناؤه يبقون في دائرة الإسلام وحكمه ، فإذا بلغوا واختاروا غير الإسلام كانوا في حكم المرتدين أيضا ، فإذا رجعوا إلى إسلامهم فقد تابوا وأنابوا إلى دينهم الأول ، وما سواه من الأديان حكمه لاغ عنهم ، ولا عبرة بردة والدهم إليه ، كما جاء في " التاج والإكليل " من كتب المالكية (8/374): " ولد المرتد : فلا يلحق به في الردة إذا كان صغيرا ؛ إذ تبعية الولد لأبيه إنما تكون في دين يقر عليه " انتهى .
وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى رقم : (180561) .
والله أعلم .
تعليق