الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم الجمع والقصر للصلاة في الحضر

السؤال

عندما كنت في المرحلة المتوسطة كنت متهاونة في الصلاة كثيرا ، كنت لا أصلي بعض الصلوات ، وقرأت في فتوى لكم أن من ترك الصلاة كسلا لا تجب عليه قضائها ولكن في فترة أخرى كنت أصلي بعض الصلوات جمعا وقصرا بدون عذر .
فهل يجب علي قضاء هذه الصلوات ؟ أو تكفي توبتي فقط ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
ترك الصلاة بالكلية كفر مخرجٌ من الملة على الصحيح من قولي العلماء ، وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم : (5208).
وأما من كان يصلي ويترك ، فذهب بعض أهل العلم إلى كفره أيضاً ، وهو المنقول عن جمع من الصحابة ، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
وذهب آخرون إلى أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم سؤال رقم : (52923) ، ورقم :(83165).
ثانياً:
اختلف أهل العلم فيمن ترك الصلاة متعمدا ( كالمتكاسل ونحوه ) : هل يجب عليه قضاؤها ، كما يقضيها النائم والناسي ، بل التارك غير المعذور أولى بأن يتوجه إليه طلب القضاء من أهل الأعذار ، كما ذهب إليه جماهير أهل العلم ، واتفقت عليه المذاهب الأربعة ، وغيرهم .

أم لا يجب عليه ذلك ، ولو قضاها لم تنفعه ؛ إما لأن ترك الصلاة كفر ، والكافر لا تنفعه صلاته ما دام في كفره ، ولا يؤمر بقضاء ما تركه في كفره وردته .
أو لأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بدون عذر شرعي لم تقبل منه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) رواه مسلم (1718). وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم : (105849) ، ورقم : (197247) .

ولا يختلف حكم قصر الصلاة في الحضر ، عن تركها بالكلية ، فلو صلاها ناقصة ركعة ، أو سجدة ، أو نقص منها ركنا من أركانها ، متعمدا ذلك : بطلت صلاته ، وكان كمن لم يصلها بالكلية ، وهو إلى التلاعب بشعائر إلى الله أقرب ، ومثل هذا على خطر عظيم ، إن لم يتداركه الله برحمته ، ويمن عليه بتوبة نصوح .

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ( فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً ) رواه مسلم(687).

قال ابن حزم رحمه الله : " ولا يختلف عدد الركعات إلا في الظهر والعصر والعتمة , فإنها أربع ركعات في الحضر للصحيح , والمريض , وركعتان في السفر , وفي الخوف ركعة ، كل هذا إجماع متيقن , إلا كون هذه الصلوات ركعة في الخوف ففيه خلاف " انتهى من " المحلى" (3/185).

رابعاً:
لا يجوز جمع بين الصلاتين من غير عذر، ومن جمع بغير عذر ولا مسوغ شرعي فهو آثم؛ لأنه مخالف للنصوص الشرعية القاضية بذلك منها قوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 .
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ( أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِيَ يَعْنِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ) رواه أبو داود (393) والترمذي(149) وقال الألباني : إسناده حسن صحيح في " صحيح أبي داود – الأم " برقم (417) .

قال ابن قدامة رحمه الله : " أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة , وقد ورد في ذلك أحاديث صحاح جياد.." انتهى من "المغني" (1/224).

إذا تقرر ذلك ، لم يجز الجمع بين الصلاتين ، إلا إذا وجد سبب الجمع ، من سفر أو مطر أو مرض ..، فإن لم يوجد سبب الجمع لزم البقاء على أصل مواقيت الصلاة .
وينظر : "المغني" ، لابن قدامة (2/60) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أيضاً : " وإذا كان النبي صلي الله عليه وسلم حدد الأوقات تحديداً مفصلاً فإن إيقاع الصلاة في غير وقتها من تعدي حدود الله : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [ البقرة / من الآية229 ] فمن صلى الصلاة قبل وقتها عالماً عامداً فهو آثم وعليه الإعادة ، وإن لم يكن عالماً عامداً فليس بآثم لكن عليه الإعادة ، وهذا حاصل بجمع التقديم بلا سبب شرعي فإن الصلاة المقدمة لا تصح وعليه إعادتها.
ومن أخر الصلاة عن وقتها عالماً عامداً بلا عذر فهو آثم ولا تقبل صلاته على القول الراجح وهذا حاصل بجمع التأخير بلا سبب شرعي، فإن الصلاة المؤخرة لا تقبل على القول الراجح.
فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى ولا يتساهل في هذا الأمر العظيم الخطير .." .
انتهى من "مجموع الفتاوى"(15/387) .

والذي يلزمك الآن : أن تتوبي إلى الله توبة نصوحا من ذلك الذي وقع منك ، وأن تصلحي شأنك فيما هو آتك ، وتلزمي نفسك تعظيم أمر الصلاة التي أعظم فرائض الله على عباده .
ولو احتطت لنفسك ، واجتهدت في قضاء ما فاتك من الصلوات ، خاصة تلك التي صليتها قصرا ، أو جمعا ، في الحضر ، من غير عذر شرعي : لكان أحسن لك ، وأبرأ لذمتك .
واستكثري من النوافل قدر ما تطيقين ، خاصة نوافل الصلاة ؛ قال الله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) هود/114-115 .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب