الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

أفضل بقاع الأرض على العموم مكة ثم المدينة ، وأفضل الإقامة في حق كل أحد في الأرض التي يكون فيها أطوع لله ورسوله .

199894

تاريخ النشر : 21-07-2013

المشاهدات : 101850

السؤال

ما هو المكان الذي جعله الله أفضل الأماكن على وجه الأرض؟ قلت لأحدهم : إنه مكة المكرمة ، ولكنه حاججني ، وقال: بأنه المدينة المنورة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من حبه لمكة ، ودعا الله أن يبارك فيها كما بارك في مكة .

الجواب

الحمد لله.

أولا :
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ هُمَا أَفْضَل بِقَاعِ الأْرْضِ . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَل ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ، مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، إِلَى أَنَّ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ أَفْضَل مِنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ ، لِوُجُوهٍ عَدَّدَهَا الْعُلَمَاءُ :
أَحَدُهَا : وُجُوبُ قَصْدِهَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَهَذَانِ وَاجِبَانِ لاَ يَقَعُ مِثْلُهُمَا فِي الْمَدِينَةِ .
الثَّانِي : إِنْ فُضِّلَتِ الْمَدِينَةُ بِإِقَامَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ ، كَانَتْ مَكَّةُ أَفْضَل مِنْهَا ، لأِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ فِيهَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا .
الثَّالِثُ : إِنْ فُضِّلَتِ الْمَدِينَةُ بِكَثْرَةِ الطَّارِقِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، فَمَكَّةُ أَفْضَل مِنْهَا بِكَثْرَةِ مَنْ طَرَقَهَا مِنَ الأْنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصَّالِحِينَ .
الرَّابِعُ : إِنَّ التَّقْبِيل وَالاِسْتِلاَمَ مُخْتَصَّانِ بِالرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْل ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْنَا اسْتِقْبَالَهَا فِي الصَّلاَةِ حَيْثُمَا كُنَّا مِنَ الْبِلاَدِ وَالْفَلَوَاتِ ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا مِثْل ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ .
السَّادِسُ : إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأْرْضَ ، فَلَمْ تَحِل لأِحَدٍ مِنَ الرُّسُل وَالأْنْبِيَاءِ إِلاَّ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ الأْنْبِيَاءِ ، فَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ .
السابع : إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَثْنَى عَلَى الْبَيْتِ فِي كِتَابِهِ بِمَا لَمْ يُثْنِ بِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَال : ( إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) .
الثامن : الصَّلاَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ تَعْدِل مِائَةَ أَلْفِ صَلاَةٍ وَلَيْسَ مِثْل ذَلِكَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ .
إلى غير ذلك من الفضائل التي تتميز بها مكة عن المدينة .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَل مِنْ مَكَّةَ . قَال الْحَطَّابُ : وَهُوَ - أَيْ كَوْنُ الْمَدِينَةِ أَفْضَل مِنْ مَكَّةَ - قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْمَدِينَةِ .
كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَعْبَةَ أَفْضَل مِنَ الْمَدِينَةِ مَا عَدَا الضَّرِيحَ الشَّرِيفَ عَلَى صَاحِبِهِ الصلاة والسلام " .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (32/154-156) .
ولا شك أن الكعبة أفضل من ذات قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلَيْنِ تَجَادَلَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّ تُرْبَةَ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَالَ الْآخَرُ: الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ. فَمَعَ مَنْ الصَّوَابُ ؟
فَأَجَابَ:
" أَمَّا نَفْسُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ.
وَأَمَّا نَفْسُ التُّرَابِ فَلَيْسَ هُوَ أَفْضَلَ مِنْ الْكَعْبَةِ البيت الْحَرَامِ بَلْ الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَضَّلَ تُرَابَ الْقَبْرِ عَلَى الْكَعْبَةِ إلَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَيْهِ وَلَا وَافَقَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/ 38) .

وأرجح القولين في ذلك : قول جمهور العلماء أن مكة أفضل من المدينة من حيث الجملة .
وللسيوطي رحمه الله رسالة خاصة بهذا الشأن ، مطبوعة : "الحجج المبينة في تفضيل مكة على المدينة" .

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
أيهما أفضل الإقامة في مكة أم في المدينة وذلك للعبادة ؟
فأجاب :
" مكة أفضل ، ثم المدينة بعدها ، والإقامة بمكة أفضل ثم المدينة ؛ كما جاء في الأحاديث ، الصلاة في مكة بمائة ألف صلاة ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ). فرق عظيم، والحسنات في مكة مضاعفة أكثر مضاعفتها من المدينة " انتهى من موقع الشيخ .

وقول القائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب المدينة أكثر من حبه مكة ، فإن قصد حب الإقامة فيها فنعم ، وذلك للمصلحة الراجحة لنشر الدين وتوطيد أركان الدولة الإسلامية ، ولأنها دار هجرته ، ولأن مكة كانت وقتئذ معقل الكفر وأهله .
فلا يدل ذلك بمفرده على أن ذات المدينة أفضل من مكة في كل حال .
وقد روى البخاري (3926) ومسلم (1376) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ ، أَوْ أَشَدَّ ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا ) .
قال الباجي رحمه الله :
" هذا دُعَاءٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُذْهِبَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْإِشْفَاقَ عَنْ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ وَسُكْنَى الْمَدِينَةِ ، وَالدُّعَاءُ فِي أَنْ يُحَبِّبَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الْمَدِينَةَ كَحُبِّهِمْ مَكَّةَ فَيَكْرَهُونَ الِانْتِقَالَ عَنْهَا كَمَا كَرِهُوا الِانْتِقَالَ مِنْ مَكَّةَ " انتهى من "المنتقى" (7/ 194) .
وهذا الدعاء إنما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكى أصحابه من وباء المدينة فدعا لهم بحب الإقامة فيها وكراهة الانتقال منها .

راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (36863) ، والسؤال رقم : (106609) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب