الحمد لله.
روى الإمام أحمد (4955) والترمذي (1507) - واللفظ له - من طريق حجاج بن أرطاة ، عن نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، يُضَحِّي كُلَّ سَنَةٍ "
ورواه ابن سعد في "الطبقات" (1/ 191) ولفظه : " أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، لا يَدَعُ الأَضْحَى "
وهذا الحديث حسنه الإمام
الترمذي .
لكن في إسناده ضعف ؛ حجاج بن أرطاة صدوق ، لكنه مدلس ، قال العجلي : إنما يعيب
الناس منه التدليس . وقال أبو زرعة صدوق يدلس . وقال أبو حاتم صدوق يدلس عن الضعفاء
يكتب حديثه ، وأما إذا قال : حدثنا ، فهو صالح لا يرتاب في صدقه وحفظه إذا بين
السماع . وقال ابن المبارك كان الحجاج يدلس . وقال ابن عدي إنما عاب الناس عليه
تدليسه عن الزهري وغيره .
وكذا وصفه بالتدليس محمد بن نصر وإسماعيل القاضي والساجي وابن خزيمة والبزار وغيرهم
.
ينظر : "تهذيب التهذيب" (2/ 196-198)
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" ، وكذا ضعفه محققو المسند .
لكن يظهر من هدي النبي صلى
الله عليه وسلم أنه كان حريصا على الأضحية ، حتى إنه ضحى ، لما أدركه الأضحى في
سفره .
روى مسلم (1975) عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: ( يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ
هَذِهِ ) ، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْمُسَافِرِ ، كَمَا هِيَ مَشْرُوعَةٌ
لِلْمُقِيمِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ " انتهى .
وهذا دليل على تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الأضحية ، وفي مجاري العادات :
أن يكون حرصه عليها في الحضر أشد ، واهتمامه بها أوكد .
وقد روى ابن ماجة (3123)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا)
وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة .
وروى أبو داود (2788) عن مِخْنَف بْن سُلَيْمٍ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى
كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً )
حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وانظر إجابة السؤال رقم (36432)
وقد صرح غير واحد من أهل العلم أنه كان يضحي كل سنة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
:
" كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن
أهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (18/ 38)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المشروع في حق الحاج هو الهدي وليس الأضحية ، ولهذا لم يضح النبي صلى الله عليه
وسلم في حجة الوداع ، مع أنه يضحي كل سنة، في حجة الوداع نحر هديا مئة بعير، نحر
منها ثلاثا وستين بيده، والباقي أعطاه عليا رضي الله عنه ، وقال: انحره، ولم يضح "
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (25/42).
فإذا صح ذلك : فيكون النبي
صلى الله عليه وسلم قد ضحى تسع مرات صلى الله عليه وسلم ؛ فقد قال جابر رضي الله
عنه : ( إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ
سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ ) رواه مسلم (1218)
فمكث تسع سنين ، يضحي فيها كل سنة ، ثم حج في العاشرة ، فأهدى ولم يضح .
ويحمل حديث ابن عمر - على فرض ثبوته - على أنه صلى الله عليه وسلم ضحى كل عام ما
خلا عام حجه .
والله أعلم .
تعليق