السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

أمرتها أمها أن تتهم زوجة أخيها بالسرقة وهي بريئة ، فأبت عليها ، فهل تكون بذلك عاقة ؟

202977

تاريخ النشر : 13-11-2013

المشاهدات : 6734

السؤال


حدث لأمي مشكلة مع والدتها ، وهي أن جدتي اتهمت زوجة خالي بسرقة أغراض أمي ، وعندها بحثت أمي ، فوجدت أنه لا شيء مفقود ، ولكن جدتي هددت أمي أنها لو أخبرت بشيء عن عدم فقدان الأشياء سوف تقاطعها للأبد ، ولكن عندها أمي لم ترضخ ، وعندما سئلت عن الأشياء ، قالت للناس : إنه لم يسرق شيء ، مما سبب المشاكل لجدتي . فهل تكون أمي هنا عاقة لوالدتها ، أم إنها تكون أرضت الله بسخط الناس ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
تقدم مرارا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا إرضاء لمخلوق بسخط الخالق ، راجع إجابة السؤال رقم : (11872) ، والسؤال رقم : (162423) .
والظلم والكذب والافتراء على الناس : من الأخلاق الذميمة التي تواترت النصوص بالنهي عنها ، والتحذير منها ، ومن عواقبها الوخيمة .
واتهام البريء بالسرقة ظلم عظيم وبغي وفساد ، فهذا محرم لا يجوز .
وما فعلته والدتك من الإقرار بعدم وجود سرقة : هي شهادة حق واجبة عليها ، قال الله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) الطلاق/2 ، ولا يحل لها أن تكتم هذه الشهادة ، قال تعالى : ( وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) البقرة/283 .
ولا فرق في هذا الوجوب بين أن يكون المشهود له ، أو عليه : قريبا ، أو بعيدا ، وليا أو عدوا ؛ فإقامة الشهادة واجب لله على عباده ، والعدل واجب لكل أحد ، على كل أحد ، وفي كل حال . قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) النساء/ 135 .
قال الشوكاني حمه الله :
" أَيْ: لِيَتَكَرَّرَ مِنْكُمُ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ ، وَهُوَ الْعَدْلُ فِي شَهَادَتِكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا عَلَيْكُمْ مِنَ الْحُقُوقِ ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُ عَلَى وَالِدَيْهِ : فَبِأَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ .
وَذَكَرَ الْأَبَوَيْنِ : لِوُجُوبِ بِرِّهِمَا ، وَكَوْنِهِمَا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْأَقْرَبِينَ ، لِأَنَّهُمْ مَظِنَّةُ الْمَوَدَّةِ وَالتَّعَصُّبِ ، فَإِذَا شَهِدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ بِمَا عَلَيْهِمْ ؛ فَالْأَجْنَبِيُّ مِنَ النَّاسِ أَحْرَى أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ " انتهى من "فتح القدير" (1/ 604) .

أما ما أمرت به الجدة من الإصرار على اتهام زوجة خالك الاتهام الباطل : فمن المنكر الذي نهى الله عنه ، فلا يجوز إقرارها عليه ، ولا إعانتها ، بل يجب نهيها وتحذيرها من خطورة الموقف ، وما قد يترتب عليه من الفساد .
وقد قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/ 58 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ: يَنْسُبُونَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ بُرَآء مِنْهُ لَمْ يَعْمَلُوهُ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ ، ( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) وَهَذَا هُوَ الْبُهْتُ الْبَيِّنُ ؛ أَنْ يُحْكَى أَوْ يُنْقَلَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ ، عَلَى سَبِيلِ الْعَيْبِ وَالتَّنَقُّصِ لَهُمْ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 480)
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (246) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ؟ ) ، قَالُوا : بَلَى ، قَالَ: ( الَّذِينَ إِذَا رُؤوا ذُكِرَ اللَّهُ ، أَفَلَا أخبركُم بِشِرَارِكُمْ ؟ ) ، قَالُوا: بَلَى ، قَالَ: ( الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون بالبراء العنَتْ ) وحسنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" .
( الباغون بالبراء العنَتْ ) أي: يطلبون لهم الهلاك والتعب باتهامهم بالفساد الذي هم برآء منه .

ثانيا :
الواجب على والدتك أن تذهب إلى والدتها لتبين لها الحكم الشرعي فيما أمرتها به ، وأنها إنما فعلت ذلك ، وخالفت رغبتها وهواها : إرضاء لله تعالى ، وتحثها على التوبة مما قالت ، أو فعلت ، وتجتهد في تطييب خاطرها مما جرى لها .
ولتجتهد والدتك في صلة أمها ، وإن هي قاطعتها ، وبرها ، وإن هي جفتها ، والإحسان إليها ، وإن هي أساءت إلى أمك .
فإن بقي في نفس الجدة على ابنتها شيء من غضب ، أو بقيت على قطيعتها : فليس على أمك من إثم ذلك شيء ، وطاعة الله ورضاه : فوق طاعة كل مخلوق ، ورضاه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب