الحمد لله.
الإسلام كله اعتدال ، والالتزام بتعاليم الإسلام من فعل الواجبات وترك المحرَّمات أمرٌ لا خيار للمسلم فيه إذ هو مما أوجبه الله تعالى عليه ، وقد كثرت الفتن في هذا الزمان حتىَّ عُدَّ من يترك بعض المحرَّمات ويفعل بعض الواجبات متزمتّاً متعنِّتاً ، وهذا لا شك أنه بسبب انحراف الناس في فهم الدِّين ، وكثرة مخالطتهم للمعاصي والآثام وتركهم للواجبات الشرعية .
وإننا لنشكر لكِ حرصكِ على الالتزام بتعاليم الدين في مجتمع كمجتمعكِ الذي تعيشين فيه ، ولتعلمي أن ما تفعلينه أمرٌ محبوبٌ لله تعالى ، ولأوليائه المؤمنين ، ومبغوضٌ مكروه لشياطين الإنس والجن .
وإن حرصكِ على اختيار الزوج الصالح موافق لمراد الشرع في اختيار الزوج وتزويجه ، على أنه لا ينبغي لكِ ردُّ من عُلِم عنه الخلق والدين بسبب ماضيه ، فماضي الإنسان الذي تاب منه أمرٌ لا يعيبه ولا يوجب رده إن جاء راغباً في الزواج وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) رواه الترمذي وحسنه الألباني ، لكن أن تكون له سوابق من المعاصي والآثام ولا يُعرف عنه تركها والتخلص منها فمثل هذا لا يوثق في خلقه ولا في دينه ولا يُوافق عليه في الزواج .
وقول الإنسان للمخطوبة أو لأوليائها إنه تغير وترك ما كان عليه من سوء وفساد ليس كافياً للوثوق في قوله وتصديقه حتى يُعلم أنه أهل للتصديق ، أو يُجزم بتركه لهذا السوء .
فاحرصي على اختيار الرجل الصالح ولو كان له سوابق ، ولا ترديه ، وارفضي كل من عُلم له سوابق من الشر والفساد ولم يتركه ؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بقوله : " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " رواه البخاري (5090) ومسلم (1466)
ينطبق على المرأة إذ على المرأة أن لا تقبل إلا بصاحب الدين والخلق ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " رواه الترمذي 1084وحسنه الألباني في صحيح الترمذي866.
قال في تحفة الأحوذي : " قَوْلُهُ : ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ ) أَيْ طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ اِمْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ ( مَنْ تَرْضَوْنَ ) أَيْ تَسْتَحْسِنُونَ ( دِينَهُ ) أَيْ دِيَانَتَهُ ( وَخُلُقَهُ ) أَيْ مُعَاشَرَتَهُ ( فَزَوِّجُوهُ ) أَيْ إِيَّاهَا ( إِلا تَفْعَلُوا ) أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي مُجَرَّدِ الْحَسَبِ وَالْجَمَالِ أَوْ الْمَالِ ( تكن فتنة وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) أَيْ ذُو عَرْضٍ أَيْ كَبِيرٌ , وَذَلِكَ لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ , رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلا أَزْوَاجٍ , وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلا نِسَاءٍ , فَيُكْثِرُ الافْتِتَانُ بِالزِّنَا , وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ , وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلاحِ وَالْعِفَّةِ " .
وقد كان بعض الصحابة مشركاً ثم أسلم وحسن إسلامه ، فتزوج ، ولم يُرد بحجة أن له سوابق .
فالمعتبر في حال الرجل هو ما التزم به حديثاً مع توبته عن الماضي وما فيه .
نسأل الله أن يُيسر لك زوجاً صالحاً ، وذرية صالحة .
والحمد لله رب العالمين .
تعليق