الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

لماذا لا تظهر المعجزات في عصرنا لنصرة المستضعفين ، وهم يدعون الله ولا يجيبهم؟

209756

تاريخ النشر : 20-12-2014

المشاهدات : 72372

السؤال


جاء في سورة الفيل إرسال الله تعالى لطيور أبابيل ، ترمي الكفار بالحجارة ، لنيتهم هدم الكعبة قبل الإسلام . ومن ناحية أخرى ، جاء في أحد الأحاديث الصحيحة أن هدم الكعبة عند الله أهون من قتل مسلم .. فكيف لنا اليوم نشاهد مجازر ترتكب بحق عباد الله المسلمين من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة .. والله عز وجل لا يحرك ساكنا...والناس تدعو يا الله يا الله يا الله ... ولا من مجيب .. أليس من الأجدر بمكان نزول المعجزات الإلهية والملائكة التي تقاتل إلى جانب المسلمين والأطفال المظلومين في هذا الزمان .. زمانٌ كثر فيه الفسق والابتعاد عن الله والفجور والكفر والطغيان .. زمان أصبحنا بأمس الحاجة فيه إلى الله وإلى التدخل الإلهي والمعجزات ..!

الجواب

الحمد لله.

لا بد بداية أن نقرر في الجواب تحذيرا مهما ، نراه مناسبا لسؤالك وأمثاله من الاعتراضات على سنن الأقدار ، إن مِن أشقى ما يُبتلى به المسلم التتبع الدائم لأسرار الأقدار ، والتفتيش المتواصل عن حقائق الحِكَم التي تسير الحوادث بمقتضاها . وسبب ذلك الشقاء واضح بيِّن ، هو أنها شأن الله سبحانه وتعالى ، وهو الكبير المتعال ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . وليست من شأن العباد الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا  .

ونحن لا نقرر ذلك حَجْرًا على العقل أن يطوف في ملكوت الله سبحانه ، ولا تغييبا له عن محيطه ، فالقرآن الكريم أمرنا بالتفكر والتدبر في خلق الله عز وجل ، والحوادِثُ المعاصرة من خلق الله ولا شك . ولكننا نريد أن نغرس في ذهن القارئ أن ثمة سقفا أعلى يمكن للعقل البشري أن يبلغه في تأمله هذا ، وما بعد ذلك سيعود عليه فكره بالخسران ، وسيضيع عليه زمانه من غير عمل ولا نتيجة .

ومقصودنا أن تعترف بعجز الإنسان العجز الكامل ( التام ) عن الجواب على سؤالك ، بمجرد عقله ، سواء كان مؤمنا أم ملحدا ، شرقيا أو غربيا ، لا يدعي أحد أنه يحوز العلم المطلق في أسرار الكون ومجرياته . فضلا عن أن ينجر في حديثه ، وترميه حماسته ، بل وغفلته وجراءته ، إلى تلك الكلمة الشنيعة ، التي تنهد لها الجبال الرواسي : أن ( الله لا يحرك ساكنا ) ، أو أنه ( ما من مجيب ) !!

ويلك يا عبد الله ؛ فمن ذا يحرك إذا ، ومن ذا يخلق ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع .. ؛ إن لم يكن الله ؟!

ثم هي كلمة ليست فجة مستشنعة ، فحسب ؛ بل هي كذلك جاحدة في حق التاريخ الذي قدره الله سبحانه وتعالى ، ومتسرعة في اعتبار ما جرى في الدنيا من عظات وعبر .

قال ابن الجوزي رحمه الله في "صيد الخاطر" (ص: 165) : " مازلت أسمع عن جماعة من الأكابر وأرباب المناصب أنهم يشربون الخمور ويفسقون ويظلمون ويفعلون أشياء توجب الحدود! فبقيت أتفكر، أقول : متى يثبت على مثل هؤلاء ما يوجب حدًّا ؟ فلو ثبت، فمن يقيمه ؟ وأستبعد هذا في العادة؛ لأنهم في مقام احترام لأجل مناصبهم .

فبقيت أتفكر في تعطيل الحد الواجب عليهم، حتى رأيناهم قد نكبوا، وأخذوا مرات، ومرت عليهم العجائب، فقوبل ظلمهم بأخذ أموالهم، وأخذت منهم الحدود مضاعفة بعد الحبس الطويل، والقيد الثقيل، والذل العظيم، وفيهم من قتل بعد ملاقاة كل شدة! فعلمت أنها ما يهمل شيء! فالحَذَرَ الحَذَرَ، فإن العقوبة بالمرصاد " .

ولكن يا سرعان ما نسينا ، وسرعان ما غفلنا عن العبرة والعظة ، ورجعنا إلى تنكرنا للأقدار ، واعتراضنا على الحق سبحانه ، وادعاء غياب الحكمة عن كل ما يجري ويقع ...وهكذا حال الإنسان ، كثير الاعتراض ، قليل الاعتبار ، إلا من رحم الله   .

يقول الله عز وجل : ( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ . وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ . إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) هود/8-11 .

وقال تعالى : ( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ) المعارج/19-22 .

وقال تعالى : ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ) العاديات/6-9 .

وإذا نسي الإنسان ضعفه وعجزه وخلقه من العدم ، كما قال سبحانه : ( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ . وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) يس/77- 79 ؛ فأحرى به أن ينسى - أيضا - آيات الله في الكون والتاريخ ، وقصص القرآن المليئة بالعظة والعبرة عن أحوال الظلمة والمتجبرين . يقول الحق سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) الكهف/54.

ولا بد أن نستذكر معا مصاب الأمة الجلل عبر التاريخ ، ونستذكر الأحداث العظام التي مرت بها ، لندرك أن ما نشاهده اليوم عبر الفضائيات لا يقل بشاعة عما وقع في التاريخ ، فاقتحام التتار مثلا مدينة بغداد في العام (656هـ)، راح ضحيته نحو " المليون " إنسان ، في أوسط أقوال المؤرخين ، والمليون في ذلك الزمن يمثل أكثر الناس ، وكانت المأساة بحيث لا يمكن تصورها إلا في روايات الخيال ، وفي ذلك يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " عادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها ، كأنها خراب ، ليس فيها إلا القليل من الناس ، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة ، وقد جرى على بني إسرائيل ببيت المقدس قريب مما جرى على أهل بغداد كما قص الله تعالى علينا ذلك في كتابه العزيز ، حيث يقول : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ) الإسراء/ 17 - 22 . وقد قتل من بني إسرائيل خلق من الصلحاء ، وأسر جماعة من أولاد الأنبياء ، وخرب بيت المقدس بعد ما كان معمورا بالعباد والزهاد والأحبار والأنبياء ، فصار خاويا على عروشه وَاهِيَ البناء  .

وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة : فقيل ثمانمائة ألف ، وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف ، وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم  .

وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرَّم ، وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوما ، وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بِكر - فيما قيل والله أعلم - ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بنى العباس ، فيخرج بأولاده ونسائه ، فيذهب به إلى مقبرة الخلال ، تجاه المنظرة ، فيذبح كما تذبح الشاة ، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه  .

وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن ، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد. ولما انقضى الأمر المقدر ، وانقضت الأربعون يوما ، بقيت بغداد خاوية على عروشها ، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم ، وأنتنت من جيفهم البلد ، وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد ، حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم ، وقد أنكر بعضهم بعضا ، فلا يعرف الوالد ولده ، ولا الأخ أخاه ، وأخذهم الوباء الشديد ، فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى ، واجتمعوا تحت الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى ، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى " انتهى باختصار من " البداية والنهاية " (13/235) .

ويقول ابن الأثير رحمه الله :

" لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها ، كارها لذكرها ، فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟ فيا ليت أمي لم تلدني ، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا... فلو قال قائل : إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم ، إلى الآن ، لم يبتلوا بمثلها ، لكان صادقا ، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها .  

ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بُخْت نصَّر ببني إسرائيل من القتل ، وتخريب البيت المقدس ، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد ، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس ، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا ، فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم ، وتفنى الدنيا ، إلا يأجوج ومأجوج . وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ، ويهلك من خالفه ، وهؤلاء لم يبقوا على أحد ، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال ، وشقوا بطون الحوامل ، وقتلوا الأجنة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ." انتهى من " الكامل في التاريخ " (10/ 334) .

والخلاصة من التذكير بحادثة واحدة وقعت في التاريخ أن نقول لك : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) إبراهيم/42، ونقول لك أيضا : إياك أن تظن للحظة أن ما يقع في الدنيا يحصل على غير نظام وبغير قدر ، فتلك بغداد التي هدمت في العام (656هـ) عادت وأصبحت إحدى العواصم الإسلامية العظيمة ، ورجعت الخلافة العثمانية في طور قوتها تحكي للعالم عزة الإسلام والمسلمين قرونا متطاولة ، وهكذا تتقلب الأيام بالدنيا ، وتتغير الأحوال فيها .

ولكن المهم أن لا ينتظر المسلم المعجزات ، فهي لا تقع إلا للأنبياء ، وسنن التاريخ أقوى من ظنون الأفراد وأوهامهم ، والدنيا مبنية على الأسباب ، فإذا تهيئت – بسعي العباد – لصلاح الأحوال أو فسادها حصد الناس ما زرعوا ، وواجهت الأمم والمجتمعات مصائرها الجماعية ، سعادة أو شقاء  .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – في الدروس المستفادة من قصة أصحاب الأخدود في سورة البروج -:

" في هذه الآيات من العبر : أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه ، فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين، وقتلوهم وحرقوهم وانتهكوا أعراضهم ، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة . المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم ، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله سبحانه وتعالى ، وهو يستدرجهم من حيث لا يعلمون ، والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم ، فما لنا نحن الآن نسمع ما يحصل في البوسنة والهرسك من الانتهاكات العظيمة انتهاك الأعراض ، وإتلاف الأموال ، وتجويع الصغار والعجائز ، نسمع أشياء تبكي فنقول : سبحان الله ! ما هذا التسليط الذي سلط الله على هؤلاء المؤمنين ، نقول : يا أخي ! لا تستغرب، فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا أمثالاً لمن سبقونا ، يحرقون المؤمنين بالنار ، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في البوسنة والهرسك، وغيرها من بلاد المسلمين لا تستغرب ، فهذا فيه رفعة درجات للمصابين وتكفير سيئات ، وهو عبرة للباقين ، علينا أن نعتبر بهذا ، وهو أيضاً إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (37/ 4، بترقيم الشاملة آليا) .

وتأمل مصداق ذلك ، فيما سلى الله به عباده المؤمنين بعد غزوة أحد ، وعزاهم عن مصابهم فيها ، واستشهاد من استشهد فيها من الأخيار ، ليبين أن الابتلاء والتمحيص سنة ماضية لله في عباده : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) آل عمران/137-142 .

ولتعلم ـ يا عبد الله ـ أن الدنيا ليست دار جزاء ، يعجل الله فيها الجزاء لأهل الإحسان : إحسانا ، ولأهل الإساءة ، نكالا وخسرانا ؛ بل هي دار ابتلاء ، وامتحان ، وعمل ؛ ثم الله جل جلاله : ينزل ما شاء من بأسه على من يستحقه من عباده ، ويؤخر ما شاء من ذلك ، إلى يوم يلقونه ؛ فتدبر معنا ذلك الكلام البديع الجليل ، الذي ختم الله به سورة إبراهيم :

( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) إبراهيم/42-52 .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب