الحمد لله.
أولا :
روى الترمذي (586) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ )
وقد تقدم أن هذا الحديث مختلف في صحته .
راجع إجابة السؤال رقم : (95782).
ثانيا :
من السنة الجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد لذكر الله حتى تطلع الشمس - سواء ثبت الحديث المتقدم أو لم يثبت - .
فقد روى مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا ).
ورواه الطبراني في "المعجم الصغير" (1189) ولفظه : ( كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ جَلَسَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (471).
ثالثا :
المشروع أن يشغل المرء هذا الوقت بذكر الله ، كما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وجرى عليه عمل السلف الصالح .
يكره الكلام بغير ذكر الله في هذا الوقت لأنه وقت ذكر ، فينبغي الانشغال به ، وبمقدار انشغال الجالس بالذكر يكون أجره .
قال النووي رحمه الله :
" يستحب الذِّكْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَمُلَازَمَةُ مَجْلِسِه مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ . قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ سُنَّةٌ كَانَ السَّلَفُ ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَفْعَلُونَهَا ، وَيَقْتَصِرُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ " انتهى بتصرف يسير من "شرح النووي على مسلم" (15/ 79).
بل قد نص بعض أهل العلم على كراهة الكلام في هذا الوقت، قال القرافي رحمه الله:
" يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ الصُّبْحِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ ذِكْرٍ " انتهى من "الذخيرة" (2/ 401) .
والظاهر أن مراد من صرح بالكراهة : الانشغال بالكلام عن الذكر ، أو شغل أكثر الوقت به ، وإلا فالكلام العارض ، أو الذي لا ينشغل به عادة عن الذكر ، ونحو ذلك ، بحيث لا يكون عادته ، أو الغالب على جلوسه : يرجى ألا يكون به بأس ، وألا تفوته فضيلة الوقت ؛ لما روى مسلم (670) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، (كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" ورخص أصحاب الشافعي في التحدث بأمور الدنيا المباحة في المساجد، وأن حصل معه ضحك ، واستدلوا بما خرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة .." انتهى من "فتح الباري" (3/345) .
وقال أيضا :
" وليس فِي هَذَا الحَدِيْث، ولا فِي غيره من أحاديث الباب الاشتراط للجالس فِي مصلاه أن يكون مشتغلاً بالذكر، ولكنه أفضل وأكمل.." ، ثم قال :
" وفي تمام حَدِيْث جابر بْن سمرة الَّذِي خرجه مُسْلِم وكانوا يتحدثون فيأخذون فِي أمر الجَاهِلِيَّة، فيضحكون ويتبسم. وهذا يدل عَلَى أَنَّهُ لَمْ ينكر عَلَى من تحدث وضحك فِي ذَلِكَ الوقت " انتهى من "فتح الباري" (6/42-43) .
وقال القاري رحمه الله :
" قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِمَاعِ كَلَامٍ مُبَاحٍ يَعْنِي فِي الْمَسْجِدِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: كَلَامُهُمْ لَمْ يَكُنْ خَالِيًا عَنِ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُبَاحِ الْمُجَرَّدِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (2/ 756).
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (170086)
والله أعلم .
تعليق