الخميس 25 جمادى الآخرة 1446 - 26 ديسمبر 2024
العربية

توجيه الأحاديث الواردة في تفضيل أهل اليمن !!

212956

تاريخ النشر : 11-11-2014

المشاهدات : 129085

السؤال


هل أهل اليمن أفضل من الصحابة ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا الصحابة رضي الله عنهم : ( أتاكم أهل اليمن ، أرق قلوبا منكم ) ، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم ، وقد أشار بيده نحو اليمن : ( الإيمان يمان .. ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين ، عند أصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرنا الشيطان ، في ربيعة ومضر ) ، مع أن أكثر الصحابة من مضر؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
روى البخاري (4388) ، ومسلم (52) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) .
وفي رواية لمسلم (52) ِ: ( جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) .
وروى أحمد (13212) عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَهُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا مِنْكُمْ ) وصححه الألباني في "الصحيحة" (527) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَوْجُودُ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ ، لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ ، فِي كُلِّ زَمَانٍ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم : (175077).
ثانيا :
هؤلاء المذكورون في هذا الحديث من الصحابة أيضا ، فلا يصح أن يقال : أهل اليمن أرق قلوبا من الصحابة ؛ لأنهم منهم .
وإنما الصحيح أن يقال : إن هؤلاء الصحابة من أهل اليمن هم أرق قلوبا من غيرهم من الصحابة ، ولا يعني ذلك أنهم أفضل الصحابة مطلقا ؛ لأن تفضيل الجملة على الجملة ، لا يدل على تفضيل كل فرد من الجملة ، على كل فرد من الجملة الأخرى.
ثم إن التفضيل من وجه ، لا يقتضي التفضيل المطلق ، أو التفضيل من كل الوجوه ؛ فقد يكون فلان أرق قلبا من فلان ، فيفضل عليه في ذلك ، إلا أن المفضول في هذه الصفة يكون عنده من العلم ، أو الجهاد ، أو النفقة ، ما يفضل به الأرق قلبا ، والألين عريكة ، إما في هذه الجوانب فقط ، فيكون كل منهما أفضل من الآخر ، بوجه من وجوه التفضيل ، وإما مطلقا ، لزيادة الفضيلة الناشئة عن مجموع هذه الصفات ، على فضيلة الآخر بجانب واحد ، وهذا واضح مفهوم ، إن شاء الله .
وقد روى البخاري (3447) ، ومسلم (2860) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى، يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ )
قال الحافظ رحمه الله :
" وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خُصُوصِيَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ ، تَفْضِيلُهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَمْتَازُ بِشَيْءٍ يُخَصُّ بِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَضِيلَةُ الْمُطْلَقَةُ " انتهى .
وروى أبو دود (4341) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيه مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله ) قيل : يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال : ( أجر خمسين منكم ) . وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
" لا يلزم من هذا الفضل أن يكون أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، فيجب التفريق بين الفضل المطلق ، والفضل المقيد.
فالشهيد وإن تميز بالشهادة في سبيل الله عز وجل ، لكن يكون على يد طالب العلم والعلماء من مصلحة الأمة ، ونشر الدعوة ما لا يكون في ديوان الشهيد " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (25/ 307) .

ثالثا :
روى البخاري (3302) ، ومسلم (51) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ اليَمَنِ فَقَالَ : ( الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا، أَلاَ إِنَّ القَسْوَةَ وَغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلُهُ : ( الْفَدَّادِينَ ) قال أَبُو عُبَيْد : جَمْع فَدَّان ، وَالْمُرَاد بِهِ الْبَقَر الَّتِي يُحْرَث عَلَيْهَا ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْفَدَّان آلَة الْحَرْث وَالسِّكَّة ، فَعَلَى الْأَوَّل فَالْفَدَّادُونَ جَمْع فَدَّان ، وَهُوَ مَنْ يَعْلُو صَوْته فِي إِبِله وَخَيْله وَحَرْثه وَنَحْو ذَلِكَ ، وَالْفَدِيد هُوَ الصَّوْت الشَّدِيد . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَنَّ الْفَدَّادِينَ هُمْ أَصْحَاب الْإِبِل الْكَثِيرَة ، مِنْ الْمِائَتَيْنِ إِلَى الْأَلْف ، وَيُؤَيِّد الْأَوَّل لَفْظ الْحَدِيث الَّذِي بَعْده " وَغِلَظ الْقُلُوب فِي الْفَدَّادِينَ عِنْد أُصُول أَذْنَاب الْإِبِل ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس : الْفَدَّادُونَ هُمْ الرُّعَاة وَالْجَمَّالُونَ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا ذَمَّ هَؤُلَاءِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُعَالَجَةِ مَا هُمْ فِيهِ عَنْ أُمُور دِينهمْ ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَسَاوَة الْقَلْب .
وقوله : (فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ) أَيِ فِي الْفَدَّادِينَ مِنْهُمْ " انتهى كلامه باختصار .
وينظر : "عمدة القاري" (15/ 192) ، و"شرح الزرقاني على الموطأ" (4/ 594) .

ومعنى ذلك : أن المخصوصين بالذم هنا في الحديث : هم الفدادون من ربيعة ومضر ، وليس كل البطنين العظيمين من بطون العرب ، ربيعة ومضر ، هم كذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" مُعْظَمَ الْعَرَبِ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ - يعني ربيعة ومضر - وَهُمْ كَانُوا أَجَلَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ ، وَقُرَيْشٌ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُ فُرُوعِ مُضَرَ " انتهى من "فتح الباري" (6/ 531) .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (99569).
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب