الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

أحكام إحياء الموات

21375

تاريخ النشر : 11-09-2001

المشاهدات : 68983

السؤال

ما هو إحياء الموات ، وما هو أحكامه ؟.

الجواب

الحمد لله.

الموات - بفتح الميم والواو - : هو ما لا روح فيه ، والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها .

ويعرفه الفقهاء رحمهم الله بأنه الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم .

فيخرج بهذا التعريف شيئان :

الأول : ما جرى ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غيرها .

الثاني : ما تعلقت به مصلحة ملك المعصوم ؛ كالطرق والأفنية ومسيل المياه ، أو تعلقت به مصالح العامر من البلد ، كدفن الموتى وموضع القمامة والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والمحتطبات والمراعي ؛ فكل ذلك لا يملك بالإحياء.

فإذا خلت الأرض عن ملك معصوم واختصاصه ، و أحياها شخص ؛ ملكها ؛ لحديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً : ( من أحيا أرضاً ميتة ؛ فهي له ) , رواه أحمد والترمذي وصححه , وورد بمعناه أحاديث , وبعضها في ( صحيح البخاري ) .

وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء ، وإن اختلفوا في شروطه ؛ إلا موات الحرم وعرفات ؛ فلا يملك بالإحياء ؛ لما فيه من التضييق في أداء المناسك ، واستيلائه على محل الناس فيه سواء .

ويحصل إحياء الموات بأمور :

الأول : إذا أحاطه بحائط منيع مما جرت العادة به ؛ فقد أحياه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحاط حائطاً على أرض ؛ فهي له ) ، رواه أحمد وأبو داود عن جابر ، وصححه ابن الجارود ، وعن سمرة مثله , وهو يدل على أن التحويط على الأرض مما يستحق به ملكها ، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطاً في اللغة ، أما لو أدار حول الموت أحجاراً ونحوها كتراب أو جدار صغير لا يمنع ما وراءه أو حفر حولها خندقاً ؛ فإنه لا يملكه بذلك ، لكن يكون أحق بإحيائه من غيره ، ولا يجوز له بيعه إلا بإحيائه .

الثاني : إذا حفر في الأرض الموات بئراً ، فوصل إلى مائها ؛ فقد أحياها ؛ فإن حفر البئر ولم يصل إلى الماء ؛ لم يملكها بذلك ، وإنما يكون أحق بإحيائها من غيره ؛ لأنه شرع في أحيائها .

الثالث : إذا أوصل إلى الأرض الموات ماء أجراه من عين أو نهر ؛ فقد أحياها بذلك ؛ لأن نفع الماء للأرض أكثر من الحائط .

الرابع : إذا حبس عن الأرض الموات الماء الذي كان يغمرها ولا تصلح معه للزراعة ، فحبسه عنها حتى أصبحت صالحة لذلك ؛ فقد أحياها ؛ لأن نفع الأرض بذلك أكثر من نفع الحائط الذي ورد في الدليل أنه يملكها بإقامته عليها .

ومن العلماء من يرى أن إحياء الموات لا يقف عند هذه الأمور بل يرجع فيه إلى العرف فما عده الناس إحياء ؛ فإنه يملك به الأرض الموات ؛ واختار ذلك جمع من أئمة الحنابلة وغيرهم ؛ لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم  يبينه , فوجب الرجوع إلى ما كان إحياء في العرف .

ولإمام المسلمين إقطاع الأرض الموات لمن يحييها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق , وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت , وأقطع عمر وعثمان و جمعاً من الصحابة , لكن لا يملكه بمجرد الإقطاع حتى يحييه , بل يكون أحق به من غيره , فإن أحياه ملكه , وإن عجز عن إحيائه ؛ فللإمام استرجاعه وإقطاعه لغيره ممن يقدر على إحيائه ؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استرجع الإقطاعات من الذين عجزوا عن إحيائها .

ومن سبق إلى مباح غير الأرض الموات ؛ الصيد ، والحطب ؛ فهو أحق به .

وإذا كان يمر بأملاك الناس ماء مباح ( أي : غير مملوك ) كماء النهر وماء الوادي , فللأعلى أن يسقي منه ويحبس الماء إلى الكعب ثم يرسله لمن بعده ... وهكذا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اسق يا زبير ! ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ) ؛ متفق عليه ، وذكر عبد الرزاق عن معمر الزهري ؛ قال : نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ) . فكان إلى الكعبين ؛ أي : قاسوا ما وقعت فيه القصة ، فوجدوه يبلغ الكعبين , فجعلوا ذلك معياراً لاستحقاق الأول فالأول , وروى أبو داود وغيره عن عمرو بن شعيب ؛ أنه صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور ( واد في المدينة مشهور ) : ( أن يمسك الأعلى حتى يبلغ السيل الكعبين , ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل ) .

أما إن كان الماء مملوكاً ؛ فإنه يقسم بين الملاك بقدر أملاكهم , ويتصرف كل واحد في حصته بما شاء .

ولإمام المسلمين أن يحمي مرعى لمواشي بيت مال المسلمين ؛ كخيل الجهاد , وإبل الصدقة ؛ ما لم يضرهم بالتضييق عليهم ؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ) ؛ فيجوز للإمام أن يحمي العشب في أرض الموات لإبل الصدقة وخيل المجاهدين وأنعام الجزية والضوال إذا احتاج إلى ذلك ولم يضيق على المسلمين .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان