الحمد لله.
مما تتسم به لغتنا العربية : اتساع ألفاظها لكثير من المعاني ، فتجد للكلمة الواحدة أكثر من معنى ، فيكون معنى الكلمة بحسب ورودها في الجملة التي سيقت فيها ، فيتنوع المعنى والكلمة واحدة ، وهذا ما يسمى بالاشتراك اللفظي ، فالمشترك اللفظي هو: اللفظ الواحد الدال على معنين مختلفين فأكثر، دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة . انظر " تاج العروس" (1/25).
فمن ذلك : لفظ " العين" ، يطلق على : عين المال ، والعين التي يبصر بها، وعين الماء، وعين الشيء إذا أردت حقيقته .
ومن ذلك الباب : كلمة : "
الناموس " فلها عدة معان ، فتأتي بمعنى المكر ، وبمعنى وعاء العلم ، وبمعنى صاحب
السر ، وبمعنى النمام ، وبمعنى بيت الراهب ، وغير ذلك من المعاني .
قال الزبيدي رحمه الله في " تاج العروس" (16/ 580-581):
" النَّامُوسُ: صَاحب السِّرِّ، أَي سِرِّ المَلك ، وأَهْلُ الكِتابِ يُسَمُّون
جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : النّامُوسَ الأَكْبَرَ، هُوَ المُرَادُ
فِي حَدِيثِ المَبْعَثِ ، فِي قولِ وَرَقَةَ ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَصَّه
بالوَحْيِ والغَيْبِ الَّذي لَا يَطَّلِع عليهِمَا غيرُه ، والنّامُوسُ: الحَاذِقُ
الفَطِنُ ، والنّامُوسُ: مَنْ يَلْطُفُ مَدْخَلُه، فِي الأُمُورِ بِلُطْفِ
إحْتِيَالٍ ، والنَّامُوسُ: الشَّرَكُ ، لأَنّه يُوَارَى تَحْتَ الأَرْضِ ،
والنّامُوسُ: النَّمَّامُ، كالنِّمَّاسِ ، وَقد نَمَسَ ، إِذا نَمَّ .
والنَّامُوسُ: عِرِّيسَةُ الأَسَدِ ، شُبِّه بمَكْمَنِ الصّائِدِ ، والنِّمْسُ:
دُوَيْبَّةٌ عَرِيضَةٌ كَأَنَّهَا قِطْعَةُ قَدِيدٍ ، تكون بِمِصْرَ ونَوَاحِيها،
وَهِي من أَخْبَث السِّبَاعِ .
والنّامُوسُ : المَكْرُ والخِداعُ ، يُقَال: فُلانٌ صاحبُ نامُوسٍ ونَوَامِيسَ
وَمِنْه نَوامِيسُ الحُكَمَاءِ ، والنّامُوسُ: بَيْتُ الرّاهِبِ. والنَّامُوسُ:
وَعَاءُ العِلْمِ. والنّامُوسُ: السِّرُّ " انتهى .
وينظر : " لسان العرب" (6/ 243) .
وقد ثبت إطلاق " الناموس"
على ملك الوحي – جبريل – عليه السلام ، في قول ورقة بن نوفل رضي الله عنه ، في قصة
بدء الوحي : " هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه البخاري (3) ، ومسلم (160) .
فالمقصود به هنا : جبريل عليه السلام ، قال النووي رحمه الله :
" اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُسَمَّى النَّامُوسَ ،
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا، قَالَ الْهَرَوِيُّ: سُمِّيَ
بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْغَيْبِ وَالْوَحْيِ " انتهى .
وكذلك : حشرة البعوض ، تسمى
أيضا بـ"الناموس" ، وهي تسمية قديمة ، ليست محدثة ولا دارجة .
قال النويري رحمه الله في " نهاية الأرب " (10/ 301) :
" البعوض صنفان: صنف يشبه القراد ، لكن أرجله خفيّة ورطوبته ظاهرة ، يسمّى بالعراق
والشأم : الجرجس والفسافس، وبمصر: البقّ ، ويشمّ رائحة الإنسان ويتعلّق به ، وله
لسع شديد ، ولدمه إذا قتل رائحة كريهة ، وهذا الصنف ليس من الطير. والصنف الثانى:
طائر ويسمّيه أهل العراق: البقّ والبعوض، ويسمّيه أهل مصر: الناموس " انتهى ، وينظر
: "حياة الحيوان الكبرى" (1/ 468) .
وجاء في "المعجم الوسيط" (1/ 63):
" (البعوض) جنس حشرات مضرَّة من ذَوَات الجناحين ، وَهُوَ (الناموس) " انتهى .
والحاصل : أنه لا حرج في إطلاق اسم الناموس على حشرة البعوض ، وأنه هذا من قبيل المشترك اللفظي .
والله تعالى أعلم .
تعليق