الحمد لله.
أولا :
المنافق : هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، والمنافقون شر أصناف أهل الشر وأسوؤهم طوية وأعظمهم خطراً ، قال تعالى بشأنهم : ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون/ 4 .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (41/17) :
" النِّفَاقُ لُغَةً : مَصْدَرُ نَافَقَ ، يُقَالُ : نَافَقَ الْيَرْبُوعُ إِذَا دَخَلَ فِي نَافِقَائِهِ ، وَمِنْهُ قِيلُ : نَافَقَ الرَّجُلُ : إِذَا أَظْهَرَ الإِسْلامَ لأَهْلِهِ وَأَضْمَرَ غَيْرَ الإِسْلامِ وَأَتَاهُ مَعَ أَهْلِهِ .
وَلا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاصْطِلاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .
قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ : وَالنِّفَاقُ اسْمٌ مِنَ الأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّرْعُ ، لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِمَعْنَاهَا الاصْطِلاحِيِّ هَذَا قَبْلَ الإِسْلامِ ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتُرُ كُفْرَهُ وَيُظْهِرُ إِسْلامَهُ .
عَلَى أَنَّ النِّفَاقَ يُطْلَقُ تَجَوُّزًا عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ الآتِي ذِكْرُهَا ، كَالْكَذِبِ وَإِخْلافِ الْوَعْدِ ، أَوْ يُقَالُ : هَذَا نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ ، وَلَيْسَ اعْتِقَادِيًّا حَقِيقِيًّا " انتهى .
ثانياً :
لم يكن يعرف أهل جزيرة العرب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإلحاد
بمعناه اليوم ( اللادين ) ، وإنما كانوا : إما مشركين من عبدة الأوثان أو يهوداً أو
نصارى ، ثم بقية من أهل الكتاب ممن بقي على التوحيد ، وهم قلة .
أما إنكار وجود الإله الخالق المدبر ، فلم يكن معروفاً في العرب إلا في قلة لا تكاد
تُذكر من الدَّهريين .
قال تعالى : ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ
يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ
اللَّهُ ) يونس/ 31 .
وقال تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) العنكبوت/ 61 .
ثم ظهر النفاق في بعض هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان واليهود والنصاى .
قال ابن كثير رحمه الله :
" النِّفَاقُ : هُوَ إِظْهَارُ الْخَيْرِ وَإِسْرَارُ الشَّرِّ ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ
: اعْتِقَادِيٌّ ، وَهُوَ الَّذِي يَخْلُدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ ، وَعَمَلِيٌّ
وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ ،
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : الْمُنَافِقُ
يُخَالِفُ قَوْلُهُ فِعْلَهُ ، وَسِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ ، وَمَدْخَلُهُ مَخْرَجَهُ
، وَمَشْهَدُهُ مَغِيبَهُ .
وَإِنَّمَا نَزَلَتْ صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ ؛
لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاقٌ ، بَلْ كَانَ خِلَافُهُ ، مِنَ
النَّاسِ مَنْ كَانَ يُظْهِرَ الْكُفْرَ مُسْتَكْرَهًا ، وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ
مُؤْمِنٌ .
فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ بِهَا الْأَنْصَارُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ،
وَكَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ عَلَى طَرِيقَةِ
مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَبِهَا الْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى طَرِيقَةِ
أَسْلَافِهِمْ ، وَكَانُوا ثَلَاثَ قَبَائِلَ : بَنُو قَيْنُقَاعَ حُلَفَاءُ
الْخَزْرَجِ ، وَبَنُو النَّضِيرِ ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ ،
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ،
وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ قَبِيلَتَيِ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ ، وَقَلَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ نِفَاقٌ أَيْضًا ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدُ شَوْكَةٌ تُخَافُ ، بَلْ قَدْ كَانَ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَادَعَ الْيَهُودَ وَقَبَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ
أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَوَالَيِ الْمَدِينَةِ .
فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ الْعُظْمَى وَأَظْهَرَ اللَّهُ كَلِمَتَهُ ،
وَأَعْلَى الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيِّ بْنِ
سَلُولَ ، وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ مِنَ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ
سَيِّدَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى
أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ ، فَجَاءَهُمُ الْخَيْرُ وَأَسْلَمُوا ،
وَاشْتَغَلُوا عَنْهُ ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ،
فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ قَالَ : هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ ،
فَأَظْهَرَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَدَخَلَ مَعَهُ طَوَائِفُ مِمَّنْ هُوَ
عَلَى طَرِيقَتِهِ وَنِحْلَتِهِ ، وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَمِنْ
ثَمَّ وُجِدَ النِّفَاقُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ
الْأَعْرَابِ .
فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
أحَدٌ يُهَاجِرُ مُكْرَهًا ، بَلْ يُهَاجِرُ وَيَتْرُكُ مَالَهُ ، وَوَلَدَهُ ،
وَأَرْضَهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ " .
انتهى من "تفسير القرآن العظيم "(1/177).
والحاصل :
أن الإلحاد ، بمفهومه المعاصر : لم يكن معروفاً في جزيرة العرب ، لا في المشركين
صراحة ، ولا في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، وعامة المنافققين :
كانوا من الكفار أهل الأوثان ، أو من اليهود والنصارى ؛ غير أن ذلك لا يؤثر في وصف
النفاق ولا حكم أهله ؛ بل المعتبر أن يبطن الكفر بالله ، والرغبة عن دين الإسلام ،
ثم يظهر من الإسلام ، خلاف ما في باطنه ، ثم لا فرق في ذلك كله بين كفر وكفر ؛
فالكل سواء .
وينظر جواب السؤال رقم : (10300) ، (148986) .
والله تعالى أعلم .
تعليق