الحمد لله.
أولا :
الحديث المذكور : رواه مسلم (537) وغيره ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ : " بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ؛ فَوَاللَّهِ : مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي ، وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ) ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .." الحديث .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْلُهُ : ( وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ ) الثُّكْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَإِسْكَانِ
الْكَافِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ ، كَالْبُخْلِ وَالْبَخَلِ ،
حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ فِقْدَانُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا ،
وَامْرَأَةٌ ثَكْلَى وَثَاكِلٌ ، وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ بِكَسْرِ الْكَافِ ،
وَأَثْكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّهُ ، وَقَوْلُهُ : ( أُمِّيَاهُ ) هُوَ
بِكَسْرِ الْمِيمِ .
قَوْلُهُ : ( فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ) يَعْنِي
فَعَلُوا هَذَا لِيُسْكِتُوهُ ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ
يُشْرَعَ التَّسْبِيحُ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ
فِيهِ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ .
قَوْلُهُ : ( فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا
بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ) فِيهِ : بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَظِيمِ الْخُلُقِ الَّذِي
شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِهِ ، وَرِفْقِهِ بِالْجَاهِلِ ، وَرَأْفَتِهِ
بِأُمَّتِهِ ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ ، وَفِيهِ التَّخَلُّقُ بِخُلُقِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ ، وَحُسْنِ تَعْلِيمِهِ
وَاللُّطْفِ بِهِ ، وَتَقْرِيبِ الصَّوَابِ إِلَى فَهْمِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي ) أَيْ مَا انْتَهَرَنِي " انتهى من "شرح
مسلم" للنووي (5/20) .
ثانيا :
سبق في جواب السؤال رقم : (160647) كراهة
الالتفات بالرأس أو بالعين في الصلاة ، وأن الكراهة تزول إذا وجدت حاجة للالتفات .
وأما ما جاء في الحديث المذكور من أن الصحابة نظروا بأبصارهم في الصلاة لمعاوية بن
الحكم رضي الله عن الجميع ، فيحتمل أن يكون المعنى : أنهم لمحوه بأعينهم في الصلاة
من غير التفات ، واللمح بالعين في الصلاة جائز في مذهب طائفة من أهل العلم رحمهم
الله .
فقد جاء في " الموسوعة
الفقهية " (27/111) : " وقد صرح الشافعية : بجواز اللمح بالعين دون الالتفات ، فإنه
لا بأس به ؛ لحديث علي بن شيبان رضي الله عنه ، قال : ( خرجنا حتى قدمنا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه ، فلمح بمؤخر عينه رجلا لا يقيم
صلاته - يعني صلبه - في الركوع والسجود , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم قال :
يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ) " انتهى .
ويحتمل أن يكون المراد :
أنهم التفتوا بأعينهم حقيقة ، لكنه التفات لحاجة ، وهو الإنكار على من تكلم في
الصلاة ؛ فتزول بذلك كراهة الالتفات .
قال محمد علي البكري الشافعي
رحمه الله : " وليس رميهم له بأبصارهم من الالتفات المنهي عنه ؛ لأنه يحتمل أن يكون
بمجرد لمح أعينهم ، وبفرض كونه التفاتاً حقيقة ، فهو لحاجة لا يكره " انتهى من "
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين " (5/171) .
والله أعلم .
تعليق