الحمد لله.
ركَّب الله سبحانه شهوة الجماع في الإنسان ، لتتحقق بذلك جملة من المصالح الدنيوية منها : تكاثر النوع البشري الذي جعله الله سبحانه خليفة في الأرض ليعمرها وفق سنة الله تعالى ، ثم جعل سبحانه طرقا لإخراج هذه الطاقة المخزونة ( الشهوة ) ومنها : الاحتلام ، فهو سبب طبيعي لتصريف القوة الجنسية لدى الجنسين ، وليس للإنسان دور في إخراج المني عبر الاحتلام ، بل يخرج بمقتضى الطبيعة البشرية ، والإنسان لا يؤاخذ على ذلك , كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (9208) .
إذا ثبت أن الاحتلام من طبيعة الخلقة البشرية ، فهل يمكن أن يكون للشيطان دور في ذلك ؟
الظاهر أنه يمكن أن يكون ذلك , وإن كان لم يصح شيء من الأحاديث في هذا الشأن , بل جاء حديث ضعيف موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " ما احتلم نبي قط ، إنما الاحتلام من الشيطان " رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (11/225) ، وابن عدي في " الكامل " (3/92-93) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .
وهذا إسناد ضعيف ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (151719) .
وعلى ذلك يمكن القول : إن الاحتلام منه ما يكون أمرا طبيعيا ، بسبب زيادة المني في الجسد ، فيحصل الاحتلام كسبب طبيعي للتخلص من هذه الزيادة ، ومنه ما يكون بسبب تلاعب الشيطان بالشخص وهو نائم .
وقد جاء في كلام الحافظ ابن كثير ما يدل على ذلك ، فقد قال في مسألة احتلام النبي صلى الله عليه وسلم : " الأظهر في هذا : التفصيلُ ؛ وهو أن يقال : إن أريد بالاحتلام : فيض من البدن : فلا مانع من هذا .
وإن أريد به : ما يحصل من تخبط الشيطان : فهو معصوم من ذلك صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا لا يجوز عليه الجنون ، ويجوز عليه الإغماء ، بل قد أغمي عليه في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها في الصحيح ، وفيه أنه اغتسل من الإغماء غير مرة ، والحديث مشهور " انتهى من " الفصول في سيرة الرسول " (ص/302) مؤسسة علوم القرآن – مكتبة دار التراث.
وعلى ذلك : فلا داعي للقلق من هذه الظاهرة ، أو اعتقاد أن الأذكار لا تحصنك من تلاعب الشيطان بك ؛ لأن هذا الاحتلام قد يكون بسبب زيادة المني في البدن فيتم التخلص منه عن طريق الاحتلام ، وحتى إذا كان من تلاعب الشيطان : فهذا أمر لا يعاب به صاحبه ، ولا يؤاخذ عليه .
مع التنبيه على أن الشخص إذا احتلم ووجد المني في ثيابه بعد استيقاظه : يلزمه حينئذ غسل الجنابة , كما بيناه في الفتوى رقم : (96658) , ومن احتلم وفتش ثيابه بعد استيقاظه ، فلم يجد بللا : فلا يلزمه الغسل ، كما بيناه في الفتوى رقم : (114586) .
والله أعلم .
تعليق