الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

موقف المسلم من العنف وتصرفه عند اعتداء الكفار على الجالية الإسلامية

السؤال

نظراً للظروف الحرجة التي نمر بها نحن المسلمين حالياً في أمريكا من الإيذاء - الذي ربما يصل إلى القتل - وإطلاق النار على المساجد والتعرض للنساء المحجبات في الشوارع والاعتداء على الطلبة المسلمين في المدارس والجامعات واضطهاد بعض الموظفين المسلمين في أماكن عملهم ، وذلك بسبب الأحداث الأخيرة التي اتهم فيها أشخاص من المسلمين بالقيام بتفجيرات في العاصمة وغيرها فإننا نريد أن نسأل هل يجوز لنا ترك صلاة الجماعة أو الجمعة في المسجد ، وماذا بالنسبة لحجاب نسائنا ، وما حكم تركنا للباس الإسلامي ؟

الجواب

الحمد لله.

والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

أولاً:

قد سمعنا بما يتعرض له إخواننا المسلمون في عدد من بلاد الكفار شمالاً وجنوباً من الأذى والإضطهاد في قضية لم يشاركوا فيها ولم يكونوا - كلهم على الأقل - طرفاً فيها ، وليس هذا بغريب على الكفار في ظلمهم وبغيهم وهم الذين يدَّعون أنهم أصحاب عدل وإنصاف وحرية ، فما ذنب امرأة مسلمة تمشي في الشارع بحجابها ، وما ذنب مسلم خرج من بيته لأجل الصلاة وليس لأجل الإفساد في الأرض ، وما ذنب موظف مسلم يذهب إلى شركته أو طالب يذهب إلى جامعته أو طالبة تمشي إلى مدرستها ، وليس للتفجير والتخريب ، ولو كان رجل الشارع الغربي منصفاً - ولو عند نفسه على الأقل - لذهب وانتقم ممن خطط أو ساهم وشارك في إيذائه والإضرار به ، ولكن كل شيء يُتوقع ممن لا يخاف الله ، وأقل ما سيواجهه المسلمون هو السباب والشتائم ، قال الله تعالى : ( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمور ) آل عمران /186

ثانياً:

يجب أن يكون موقفنا نحن المسلمين واضحاً أمام الكفار في بيان حكم الشريعة الإسلامية في الإضرار وقتل الآخرين فنقول لهم بكل وضوح إن الإسلام يحرم الإضرار بالأبرياء بجميع الصور والأشكال في البدن والمال والعرض وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) وأنه لا يجوز قتل الكافر المسالم أو المعاهِد للمسلمين عهداً شرعياً ، بل إن برّ الكافر المسالم والإحسان إليه من دين الإسلام وخصوصاً إذا كان ذلك لدعوته وتأليف قلبه ، قال الله تعالى : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/8

وأنه لا يجوز للمسلم في حال الحرب مع الكفار أن يقصد إلى طفل أو امرأة من الكفار فيقتله مادام لم يحمل سلاحاً على المسلمين ولم يُعِن على قتالهم كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجيش المسلم : ( انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة .. ، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) رواه أبو داود 2614 وفيه خالد بن الفزر قال عنه ابن حجر في التقريب مقبول يعني إذا توبع .

ويؤيده ما جاء في وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقائد جيشه : ( وإني موصيك بعشر لا تقتلنّ امرأة ، ولا صبياً ولا كبيرأً هرماً ولا تقطعن شجراً مثمراً ... ) الموطأ/982 كتاب الجهاد .

وأن الكفار الذين يقاتلهم المسلمون ويلحقون بهم الضرر وسائر الخسائر هم الكفار الذين قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وعاونوا على إخراجهم وتعذيبهم والتنكيل بهم ، ووقفوا في طريق الدعوة إلى الإسلام وصدوا عن سبيل الله ، ووقفوا سداً يمنع انتشار الإسلام قال تعالى : ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الممتحنة/9

فهؤلاء يُجاهدون عند القدرة ، وعندما تكون مصلحة قتالهم وإعلان الجهاد عليهم راجحة وواضحة . وأن ما يمكن أن يتحقق باللين والحسنى لا يصح أن يلجأ المسلمون إلى تحقيقه باالعنف والقوة . وأن استخدام المسلمين للقوة هو اضطرار وآخر الدواء ، وليس يحدث منهم ابتداء دون سبب من الكفار كقتالهم للمسلمين ومعاونة أعداء المسلمين الآخرين وصدهم عن سبيل الله والمنع من إقامة شرع الله في الأرض .

ثم نذكّر هؤلاء الكفار بالمذابح التي أُقيمت وتُقام للمسلمين في أنحاء العالم في البوسنة وكوسوفا والشيشان وفلسطين وكشمير والتي يقوم بها ويُعين عليها ويساهم فيها الكثير من اليهود والنصارى وغيرهم ، فهل دماء المسلمين أرخص من دماء غيرهم ، وهل قتلى غير المسلمين لهم بواكي وقتلى المسلمين لا بواكي لهم .

ثم لما قام النصارى الأرثودوكس بمذابح للمسلمين في البوسنة وكوسوفا فاقت مئتى ألف قتيل غير الجرحى والاغتصاب والخسائر الإقتصادية هل قام المسلمون في البلاد العربية والإسلامية بشن حملات عنف على الروم النصارى الأرثودوكس الذين يعيشون في بلادهم وفيما بينهم فقتلوا منهم واطلقوا النار على كنائسهم وأرهبوهم ؟! فعلى أي شيء يدل ذلك ؟

إن هذه الإيضاحات من المسلم لغير المسلم مهمة لأجل إقامة الحجة على الكافر ، وهذا أمر يريده الله عز وجل ، وثانياُ أن في الكفار عقلاء ومنصفين وأناساً قابلين للهداية فلعلهم يتأثرون من الإيضاح والبيان ، وثالثاً إنه لا يصلح للمسلم أن يبقى متهماً أمام الآخرين دون أن يبيّن ما يبرّئه ، وكذلك فإن بقاء سمعة المسلم مشوهةً مما يصد الكافر عن الحق ويمنعه من التأثر بالمسلم بل ربما يعامله كأنه منبوذ فيقع بذلك ظلمٌ إضافي على المسلم .

ثالثاً:

وأما بالنسبة للسؤال فإنه يجوز للمسلم في وقت المحنة التي لا يستطيع فيها أن يمشي آمناً في الطريق ولا أن يصل سالماً إلى المسجد أن يصلي في بيته ويترك صلاة الجماعة ، وينبغي المزيد من التدقيق في ترك صلاة الجمعة لأهميتها الفائقة فلا تُترك الجمعة ولا الجماعة لأجل ظنون ضعيفة واحتمال نادر بوقوع اعتداء ، وإنما إذا حصل التأكد أو غلب على الظن أنه سيُعتدى عليه إذا ذهب إلى المسجد فيجوز له ترك الذهاب .

ومن أقوال العلماء في مسألة جواز التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة بعذر الخوف ما قاله أبن قدامة رحمه الله : " وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِهِمَا - أي الجمعة والجماعة - الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ . قَالُوا : وَمَا الْعُذْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ . لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلاةُ الَّتِي صَلَّى . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( 1 / 130 ) . [ وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث بهذا اللفظ وصحح لفظ ابن ماجه (793 ) وهو "من سمع النداء فلم يأته ، فلا صلاة له إلا من عذر ) الإرواء ( 2 / 337 ) ] وَقَدْ { كَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ ثُمَّ يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَرِيضٌ فَيَقُولُ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ) البخاري (633 ) ومسلم ( 418 )

وَالْخَوْفُ , ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ ; خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الأَهْلِ . فَالأَوَّلُ , أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ سُلْطَانًا  يَأْخُذُهُ أَوْ عَدُوًّا , أَوْ لِصًّا , أَوْ سَبُعًا , أَوْ دَابَّةً , أَوْ سَيْلا , وَنَحْوَ ذَلِكَ , مِمَّا يُؤْذِيهِ فِي نَفْسِهِ .

النَّوْعُ الثَّانِي : الْخَوْفُ عَلَى مَالِهِ ; بِخُرُوجِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّلْطَانِ وَاللُّصُوصِ وَأَشْبَاهِهِمَا , أَوْ يَخَافُ أَنْ يُسْرَقَ مَنْزِلُهُ أَوْ يُحْرَقَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ .

النَّوْعُ الثَّالِثُ : الْخَوْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ أَنْ يَضِيعُوا ، فهذا كله عذر في ترك الجمعة والجماعة وبَهَذَا قال عَطَاءٍ , وَالْحَسَنِ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ . ولانعلم فيه خلافا. انتهى من المغني مختصرا (2 /376)

وفي فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله لما سأله رجل عن التخلف عن صلاة الجماعة بسبب خوفه على امرأته ؛ فقال : " إذا كان على زوجتك خطر وهي غير آمنة ، وحولها ما يخشى منه ، فلك عذر بأن تصلي في البيت خوفا على زوجتك ... وقال رحمه الله ( لكن إذا كانت الزوجة غير آمنة والمحل غير آمن والخطر موجود فلا بأس أن تصلي في البيت ، وهذا عذر شرعي ..".

انتهى من مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ( 12 / 42 ) .

وأما بالنسبة للمرأة المسلمة فإنه ينبغي عليها القرار في بيتها وعدم الخروج لئلا تتعرض للأذى وينبغي على أقربائها وجيرانها أن يعينوها في جلب حاجاتها لئلا تضطر للخروج ، وهذا من أبواب الأجر العظيمة في إغاثة الملهوف وقضاء الحوائج .

 وأما بالنسبة لترك الرجل المسلم لباسه وزيه الخاص وارتدائه للملابس الغالبة على المجتمع الكافر الذي يعيش فيه فلا بأس به وخصوصاً في وقت الاضهاد والإيذاء قال الإمام ابن تيمية :

" لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب : لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر ، لما عليه في ذلك من الضرر ، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر ، إذا كان في ذلك مصلحة دينية : من دعوتهم إلى الدين ، والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك ، أو دفع ضررهم عن المسلمين ، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة " . انتهى : اقتضاء الصراط المستقيم ص 176

ويجب أن يُفهم كلام شيخ الإسلام فهماً صحيحاً فهو يتحدث عن حالات خاصة أو اضطرارية وليس مقصوده قطعاً أن تذوب أجيال المسلمين في الكفار ، ويمارسوا الرذيلة وشرب الخمر معهم ويذهب أطفال المسلمين إلى الكنيسة وتضمحل شخصيتهم الإسلامية . وإنما المقصود جواز ترك اللباس الذي يميز المسلمين - مثلاً - وارتداء ملابس من جنس الملابس السائدة في بلاد الكفار والتحدث بلغة الكفار ونحو ذلك اتقاءً لشر الكفار وخصوصاً في الأجواء المشحونة والعدوانية كالتي جاء ذكرها في السؤال .

ولعل هذه الأحداث تكون فرصة للمسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفار بغير حاجة ولا ضرورة شرعية أن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا النظر في أحوالهم من أجل العودة إلى بلاد المسلمين والهجرة من بلاد الكفار .

نسأل الله أن يحفظنا وسائر إخواننا المسلمين من السوء والظلم والشرور ، وأن يهدينا سواء السبيل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: فتاوى إسلامية 2/ 404 - 411