الاثنين 3 جمادى الأولى 1446 - 4 نوفمبر 2024
العربية

صمم برنامجا لاختراق أجهزة الكمبيوتر , ويريد طرحه في أحد المواقع العربية

218644

تاريخ النشر : 22-07-2014

المشاهدات : 4835

السؤال


أنا الآن أصمم برنامجا لاختراق أجهزة الكمبيوتر؛ في البداية : كنت أظن أن الاختراق حلال على غير المسلمين ، لكن اكتشفت أنه لا يجوز على من لا يستحق الاختراق ، بعدما علمت : فأنا أنوي طرح برنامجي في أحد مواقع الانترنت العربية ، فهل يجوز لي هذا ؟

الجواب

الحمد لله.


جاءت شريعة الإسلام السمحة بالحفاظ على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم وسائر خصوصياتهم , ويستوي في ذلك المسلمون والكفار , إلا من كان من الكفار محاربا للمسلمين فهذا لا حرمة له , واختراق أجهزة الكمبيوتر الأصل فيه المنع والحظر ؛ وذلك لما يلي :
أولاً : أنه نوع من الاعتداء على خصوصيات الغير وممتلكاته , وهذا محرم بقوله تعالى ( وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة : 190 ، وقد أخرج أبو داود (1485) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ ) ، والحديث وإن كان فيه ضعف ، ولكنه يعتبر به في مثل هذا المقام ؛ لأنه موافق لمقاصد الشريعة في الحفاظ على ممتلكات الغير وخصوصياته .

ولكن إن كان جهاز الكمبيوتر يحتوي على ريبة وفساد وإضرار بالمسلمين : فيجوز اختراقه وإظهار ما فيه ؛ حفاظا على مصالح المسلمين ، وإفسادا لمخططات الكافرين والمفسدين , ويمكن أن يستدل على ذلك باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على كتاب حاطب ابن أبي بلتعة لمشركي قريش , وذلك ما أخرجه البخاري (3007) عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ ، قَالَ : ( انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً ، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا ) ، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ ، فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ ، فَقَالَتْ : مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ ، فَقُلْنَا : لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا حَاطِبُ مَا هَذَا ؟ ) ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا ، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ صَدَقَكُمْ ) ، قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ ، قَالَ : ( إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ) .
جاء في شرح السنة للبغوي (11/74) " قَالَ الإِمامُ : فِي الْحدِيث دليلٌ على أنّهُ يجوز النظرُ فِي كتاب الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه ، وَإِن كَانَ سرا , إِذا كَانَ فِيهِ ريبةٌ وضررٌ يلْحق الْغَيْر ، أما مَا رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ ، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ ) ، فهُو فِي الْكتاب الّذِي فِيهِ أَمَانَة ، أوْ سر بيْن الْكَاتِب والمكتوب إِليْهِ لَا رِيبَة فِيهِ ، وَلَا ضَرَر بأحدٍ من أهل الإِسْلام ، فَأَما كتبُ الْعلم , فقدْ قِيل : يجوز النظرُ فِيهِ بِغَيْر إِذن صَاحبه ؛ لِأَن الْعلم لَا يحلُّ مَنعه ، وَلَا يجوز كتمانُه ، وقِيل : لَا يجوز لظَاهِر الْحدِيث ، وَلِأَن صَاحب الشَّيْء أولى بِمَنْفَعَة مِلكه ، وَإِنَّمَا يَأْثَم بكتمان الْعلم الّذِي سُئل عَنهُ ، فَأَما منع الْكتاب عنْ غَيره ، فَلَا إِثْم فِيهِ " انتهى .
ثانيا : أن هذا الفعل نوع من التجسس والتحسس وتتبع العورات , وهذا منهي عنه بقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ) الحجرات : 12 ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ ، فَقَالَ :) يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ) قَالَ : وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ : ( مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْك ) رواه الترمذي (2032) وقال حسن غريب ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " .

من هذا البيان يظهر ما يلي :
لا يجوز لك أن تدفع هذا البرنامج لمن تعلم أو يغلب على ظنك أنه سيستخدمه في الشر والتجسس على الناس , وتتبع عوراتهم , وكشف خصوصياتهم ؛ لأنك حينئذ تكون معينا له على الإثم والعدوان ، وهذا لا يجوز , وقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز بيع الشيء لمن يعلم أنه سيستخدمه في المحرم ؛ كبيع السلاح لأهل الحرب ، أو لمن سيقطع به الطريق ويخيف به الناس , وبيع العنب لمن سيعصره خمرا , وبيع أرض لمن يتخذها كنيسة أو معبدا يُكفر فيه بالله سبحانه , ونحو ذلك .
طرح هذا البرنامج في موقع بحيث يصير متاحا لكل الناس : لا يجوز ؛ لأن هذا البرنامج يستخدم في اختراق أجهزة الغير والاطلاع على ما فيها , وهذا عمل محرم في أصله , فلا يجوز نشره بين الناس , خصوصا وأن أكثر الناس لا يتقي الله سبحانه , ولا يحفظ حدوده , ولا ينضبط بضوابط الشرع الحنيف , فعلمهم بمثل هذه البرامج مفسدة كبيرة .
وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم : (39744) أن الشيء إذا غلب استخدامه في الحرام ، فإنه يحرم بيعه وشراؤه وبذله ، ولو كان في أصله مباحا كالدش وما يتعلق به .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب