الحمد لله.
جاءت شريعة الإسلام السمحة بالحفاظ على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم وسائر خصوصياتهم , ويستوي في ذلك المسلمون والكفار , إلا من كان من الكفار محاربا للمسلمين فهذا لا حرمة له , واختراق أجهزة الكمبيوتر الأصل فيه المنع والحظر ؛ وذلك لما يلي :
أولاً : أنه نوع من الاعتداء على خصوصيات الغير وممتلكاته , وهذا محرم بقوله تعالى ( وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة : 190 ، وقد أخرج أبو داود (1485) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ ) ، والحديث وإن كان فيه ضعف ، ولكنه يعتبر به في مثل هذا المقام ؛ لأنه موافق لمقاصد الشريعة في الحفاظ على ممتلكات الغير وخصوصياته .
ولكن إن كان جهاز الكمبيوتر
يحتوي على ريبة وفساد وإضرار بالمسلمين : فيجوز اختراقه وإظهار ما فيه ؛ حفاظا على
مصالح المسلمين ، وإفسادا لمخططات الكافرين والمفسدين , ويمكن أن يستدل على ذلك
باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على كتاب حاطب ابن أبي بلتعة لمشركي قريش , وذلك
ما أخرجه البخاري (3007) عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ :
سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ ، وَالمِقْدَادَ بْنَ
الأَسْوَدِ ، قَالَ : ( انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ
بِهَا ظَعِينَةً ، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا ) ، فَانْطَلَقْنَا
تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ
بِالظَّعِينَةِ ، فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ ، فَقَالَتْ : مَا مَعِي مِنْ
كِتَابٍ ، فَقُلْنَا : لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ ،
فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى
أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا حَاطِبُ مَا هَذَا ؟ ) ، قَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ ،
وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ
قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ
إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا
يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا ، وَلاَ
رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ صَدَقَكُمْ ) ، قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ ، قَالَ : ( إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ
بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى
أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ) .
جاء في شرح السنة للبغوي (11/74) " قَالَ الإِمامُ : فِي الْحدِيث دليلٌ على أنّهُ
يجوز النظرُ فِي كتاب الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه ، وَإِن كَانَ سرا , إِذا كَانَ
فِيهِ ريبةٌ وضررٌ يلْحق الْغَيْر ، أما مَا رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ ، أنّ رسُول
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ
إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ ) ، فهُو فِي الْكتاب الّذِي فِيهِ أَمَانَة
، أوْ سر بيْن الْكَاتِب والمكتوب إِليْهِ لَا رِيبَة فِيهِ ، وَلَا ضَرَر بأحدٍ من
أهل الإِسْلام ، فَأَما كتبُ الْعلم , فقدْ قِيل : يجوز النظرُ فِيهِ بِغَيْر إِذن
صَاحبه ؛ لِأَن الْعلم لَا يحلُّ مَنعه ، وَلَا يجوز كتمانُه ، وقِيل : لَا يجوز
لظَاهِر الْحدِيث ، وَلِأَن صَاحب الشَّيْء أولى بِمَنْفَعَة مِلكه ، وَإِنَّمَا
يَأْثَم بكتمان الْعلم الّذِي سُئل عَنهُ ، فَأَما منع الْكتاب عنْ غَيره ، فَلَا
إِثْم فِيهِ " انتهى .
ثانيا : أن هذا الفعل نوع من التجسس والتحسس وتتبع العورات , وهذا منهي عنه بقوله
تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ) الحجرات : 12 ، وعن ابن عمر رضي الله
عنهما قال : صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ
فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ ، فَقَالَ :) يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ
وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ
تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ
عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ
اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ) قَالَ : وَنَظَرَ
ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ : ( مَا
أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ
مِنْك ) رواه الترمذي (2032) وقال حسن غريب ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب
والترهيب " .
من هذا البيان يظهر ما يلي :
لا يجوز لك أن تدفع هذا البرنامج لمن تعلم أو يغلب على ظنك أنه سيستخدمه في الشر
والتجسس على الناس , وتتبع عوراتهم , وكشف خصوصياتهم ؛ لأنك حينئذ تكون معينا له
على الإثم والعدوان ، وهذا لا يجوز , وقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز بيع الشيء
لمن يعلم أنه سيستخدمه في المحرم ؛ كبيع السلاح لأهل الحرب ، أو لمن سيقطع به
الطريق ويخيف به الناس , وبيع العنب لمن سيعصره خمرا , وبيع أرض لمن يتخذها كنيسة
أو معبدا يُكفر فيه بالله سبحانه , ونحو ذلك .
طرح هذا البرنامج في موقع بحيث يصير متاحا لكل الناس : لا يجوز ؛ لأن هذا البرنامج
يستخدم في اختراق أجهزة الغير والاطلاع على ما فيها , وهذا عمل محرم في أصله , فلا
يجوز نشره بين الناس , خصوصا وأن أكثر الناس لا يتقي الله سبحانه , ولا يحفظ حدوده
, ولا ينضبط بضوابط الشرع الحنيف , فعلمهم بمثل هذه البرامج مفسدة كبيرة .
وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم : (39744)
أن الشيء إذا غلب استخدامه في الحرام ، فإنه يحرم بيعه وشراؤه وبذله ، ولو كان في
أصله مباحا كالدش وما يتعلق به .
والله أعلم .
تعليق